أكاذيب عدم الاهتمام الأميركي والفرنسي بلبنان
غالب قنديل
يسعى الغرب الاستعماري لتأكيد الانطباع الكاذب والخادع تنصّلا من تبعات ومسؤوليات معنوية ومادية عن التسبّب بانهيار كارثيّ ولّده الخنق والحصار المضروب ماليا واقتصاديا على بلد مختلّ النظام والبنيان التكويني القائم على وظيفة خدمات واقتصاد هشّ تابع للهيمنة الغربية.
جعلت دول الغرب في حقبتيها الأوروبية والأميركية من البلد العربي المتوسطي الصغير قاعدة ومركزا إقليميا لنشاطها الاستخباراتيّ التجسّسي ولمنصاتها الإعلامية. وقد ضاعف اهتمامَ الغرب بلبنان كونُه البلد الواقع على تخوم فلسطين المحتلة.
تعمّق ذلك الاهتمام وتشعّب، خصوصا بعدما أنبت لبنان مقاومة غيّرت وجه المنطقة، وانتزعت في التوازن اللبناني الدقيق حيّزا نوعيا ومكانة بارزة يُعرّف بها بلد المقاومة، الذي بات مصدر إشعاع وإلهام ومحاكاة في بلدان شقيقة متعدّدة. والنيل من لبنان، هو أحد مستويات محاصرة وهج التجربة وتداعياتها التراكمية منذ التحرير، ووضعِ حدٍّ لامتداد الموج التحرّري النهضوي.
انقلاب الصورة في لبنان كان صفعة مذهلة للغرب. فقد عكست المقاومة الاتجاه، وبات البلد الصغير نموذجا ملهما بمعادلات القوة الرادعة، التي تمثل عاملا نوعيا في التوازنات المقرِّرة. ومن هنا يستمرّ الاهتمام وتتواصل الضغوط لخنق لبنان، الذي اقتيد ودُحرج في منزلق سحيق وخانق نتيجة نظامه الاقتصادي وقوة ارتباط نخبته المسيطرة اقتصاديا وماليا بالهيمنة الغربية.
الهيمنة الغربية محصّنة تاريخيا بقيم وأعراف راسخة منذ عقود في معظم شرائح المجتمع اللبناني، ومنها مثلا لا حصرا تبخيس النماذج الشرقية الصاعدة في العالم، والانتقاص من قدراتها وإمكاناتها، وهي التي تجتمع في تأكيد الاستعداد للتعاون، بل وهي الحاضرة للمساعدة في انتشال لبنان من الكارثة.
إن كانت الشقيقة ايران تنظر بعاطفة خاصة لبلد المقاومة، وقدّمت عروضا سخية ومجانية، فقد أبدت كلٌّ من روسيا والصين اهتماما، ترجمتاه بعروض ومواقف علنية ورسمية، توّفر فرصا ثمينة لشراكات ندّية يمكن أن تولّد نهضة كبرى وازدهارا مستداما، وحتى الساعة كان مصيرها الإهمال وإداره الظهر والتناسي الصامت، وهو عيب أفظع وأشدّ فضائحية وشِينا من الرفض الفاجر.
الأميركي والفرنسي والغرب عموما مهتمون بلبنان، وهم يكذبون للتنصّل، فهم مهتمون بأولوية خنق البلد وزحلقته في الهاوية، وسدّ سبل إنقاذه بأيّ ثمن. وعلى اللبنانيين أن يدركوا هذه الحقيقة ويكفّوا عن الجري واللهاث خلف السراب والوهم المتخيّل في حلقات الابتزاز الغربي واستمرار الخنق الاقتصادي والمالي وسدّ المنافذ بكل وسيلة متاحة.
يدرك الغرب أنه لن يشهد استسلاما وخضوعا، لكنه يعوّل على تمييع وتبخيس البدائل المتاحة في أنظار الشعب اللبناني، وهو أمر تُوظَّف له إمكانات هائلة سياسية واعلامية، لتسفيه الخيارات الشرقية وتعميم الانطباع بأنها غير واقعية أو مجدية. وتتوسل الحملات شتّى الذرائع والحجج لترسّخ اعتقادا ووهما باطلا بجبرية البقاء في أسر التبعية للغرب، وسدّ المنافذ البديلة وإدارة الظهر للعروض المتاحة، وهذا ما يفاقم خطورة المنزلق الكارثي.
النهوض من الهاوية خيار واقعي يستحق عملا سياسيا وشعبيا لبناء كتلة قوية بجدارة قيادة الانتقال الى عهد نهوض وازدهار، يخلف الكارثة وأهوالها، ويضرب للبنان مواعيد مستقبلية حافلة بالنمو، تزيده إشعاعا وتألّقا في سماء الشرق.