الحلف السعوديّ الصهيوني وسرّ المجاهرة
غالب قنديل
ما من أحد يدرس ويتابع أحداث المنطقة ومجريات الصراع العربي الصهيوني منذ عقود الا ويسجّل نهجا وسلوكا سعوديا تصادميا مع أي جهة عربية تحرّرية تصدّرت الصراع ضد الحلف الاستعماري الصهيوني.
كان الافتراء السعودي والصدام الاستفزازي مع مصر الناصرية ودورها في المنطقة منذ وحدة الإقليمين وقيام الجمهورية العربية المتحدة، التي جمعت دمشق والقاهرة بزعامة القائد العربي الخالد جمال عبد الناصر. وظل التآمر والتدّخل السعودي للنيل من القوى التحرّرية والتقدمية في الوطن العربي محور وظيفة سعودية مستدامة سياسيا ومخابراتيا تحت رعاية وإشراف واشنطن.
كانت خيوط الشبك والتشغيل الأميركية الخفية والمعلنة، توزِّع الأدوار والمواقف طيلة عقود. فظلّت على مدارها رعاية العلاقات الصهيونية الخفية بالعديد من الأنظمة العربية. وتحت إشراف أميركي نّسِّقت وأُنشِئت خطوط اتصال سرية لتنسيق المواقف والخطوات.
لعب النظام الأردني دورا رئيسيا سياسيا ومخابراتيا في تيسير الاختراقات الصهيونية، وتغطيتها حتى كمب ديفيد وظهور الدور المصري بوظيفته في زمن الردّة الساداتية، وما أعقبها في ظلال التنسيق الوثيق والتناغم السياسي والمخابراتي بين القاهرة وعمان والرياض وتل أبيب، حتى انتشت واشنطن بنشوء المنظومة، التي تطلّعت اليها منذ العهد الناصري وضغطه الثقيل على كوابيس الغرب.
انتقل السعي والجهد الأميركي الى حصار سورية بعد فك العلاقة بين الإقليمين الشمالي والجنوبي، وإسقاط الجمهورية المتّحدة، وتصفية أهمّ آثار العهد الناصري ومأثرته الأبرز، وانصبت المحاولات والجهود على إخماد شعلة التحرّر العربي التي حملتها سورية منفردة وسط الحصار والتآمر لعقود، حتى شاءت الصدفة السعيدة انتصار الثورة الإيرانية وقيام الجمهورية الإسلامية.
كان الرئيس الراحل حافظ الأسد أول المحتفلين والمبتهجين، وفي مقدمة من أدركوا كُنْه الانقلاب الاستراتيجي التاريخي والنوعي في معادلات المنطقة وتوازناتها. وقبل أن تُظهِر إيران الثورة أيّ بادرة نحو الشقيقة سورية كان القائد حافظ الأسد، هو المبادر سياسيا وعمليا، وبكلّ ما استطاع للوقوف الى جانب إيران الثورة.
حرّك القائد حافظ الأسد علاقاته في العالم والمنطقة وسائر إمكانات سورية لنجدة إيران المحاصرة بعد الثورة. ويتذكّر مَن عاصروا الحقبة شواهد بارزة ونافرة عن يومياتها، وتفاصيلها الغنية بمظاهر النخوة والحميّة السورية لنجدة الجمهورية الإيرانية. وقد أقام الأسد جسرا جويا، وشغل أساطيل النقل البريّ والبحري، وقدّم كلّ ما استطاعته سورية غير آبه بالتبعات، التي حملتها إشارات أميركية غربية، لوّحت بالانتقام من سورية وموقفها، الذي أثار الحنق الأميركي الغربي، وضاعف الغلّ الصهيوني.
أسّست حرارة الأخوة، التي تعزّزت وتوثّقت بعمق لانبثاق تكتّل متماسك، وانشأت حلفا تحرّريا مقاوما، بات يُصطلح على تسميته بمحور المقاومة، وهو يجتاز معموديات متلاحقة، ويطوّر ويرسّخ معادلات القوة، ويضمّ مزيدا من القوى التحرّرية العربية، وينهض بها في ساحات الصراع. وهذه الحقيقة غيّرت وجه المشرق، وقابلها الأعداء بالتآمر والضغط، الذي لا يوفّر وسيلة أو سبيلا، وآخر المصنّفات والتقنيات. ولحسن الصدف التاريخية أن سورية واصلت التزامها بنهج الشراكة والأخوة مع إيران بعد غياب القائد الخالد وتسلّم الرئيس بشار سدّة القيادة، ومع تنامي قوة إيران وصعودها كمارد إقليمي، شكّل باكتماله وتبلوره فرصة لمدّ سورية بدعم تحتاجه في ظروف شديدة الصعوبة.
على خلفية التطور المتراكم في قوة المحور التحرّري بصمود سورية ولبنان والعراق وفلسطين، وبعد وثبة اليمن غير المتوقّعة، تقرّر أن تُنقل العلاقات الخفية الى العلن، وتصبح اللقاءات السعودية الصهيونية معلنة مكرّسة رسميا، وأن تُفتح الخطوط والممرات لتغلغل صهيوني مضمر، وتمّ التخطيط له ماليا واقتصاديا واستخباراتيا منذ عقود. وتوجّبت نقلة موازية في العلاقات بين أطراف محور المقاومة، تتخطّى نطاق التنسيق والتناغم الى بلورة منظومة قوة منافسة اقتصاديا، وليس الاكتفاء بالتكامل والتناغم سياسيا وإعلاميا وعسكريا فقط. وهذا له مجال بحث منفصل.