روسيا وإيران والعدوان التركي في سورية
غالب قنديل
تشير وقائع ومجريات كثيرة الى نوع من التساكن والتكيّف الروسي والإيراني في سورية مع مظاهر الاحتلال التركي، الذي يتخفّى أحيانا خلف ميليشيات عميلة يرعاها ويدعمها، وهي تمثّل واجهات عميلة لاحتلال سافر لا يمكن حجبه أو ستره، وأحيانا أخرى يطلّ الجيش التركي بكامل عدّته وعديده وعتاده الأطلسي، الأمر الذي يستثير ويستصرخ المواقف الشريفة والمبدئية للتضامن مع سورية وشعبها وقواتها المسلحة وقيادتها المناضلة.
ونتساءل هنا عن المواقف المستحقّة والمتوجّبة ضد عدوان سافر وغاشم، ليغدو الأشد إيلاما صمت شركاء وحلفاء حصدوا من ثمار الصمود السوري، وكانت لسورية معهم في السابق وقفات ومواقف وتضحيات في مسار التضامن والتكاتف. ونستذكر بحرارة مواقف سورية الأخوية مع الشقيقة ايران غداة الحرب الظالمة والحصار الخانق وعمليات التدمير الشاملة، التي شنّها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي أدار ظهره لمبادرات ونداءات القائد حافظ الأسد، بكل أسف.
كانت وقفة سورية المشرّفة الى جانب إيران مبادرة مبدئية متقدّمة وشجاعة، وحملت الدولة السورية قسطا كبيرا من توفير مقومات الصمود الإيراني خلال الحرب دون أيّ تردد ومن غير سؤال عن الكلفة والتبعات، بل إنها ألقت في المهملات كلّ ما عُرض عليها لتعديل موقفها أو للتراجع عنه، وهي لم تبحث في موقفها المبدئي عن الكلفة.
حين تكون أطماع المعتدي والمتدخّل قديمة ومكشوفة، وحين يكون في موقعه ودوره استطالة وامتداد لمنظومة هيمنة استعمارية، يؤدي فيها وظيفة بوصفه أداة تابعة ومخلبا للناتو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لا يجوز التعامل مع العدوان بمنطق المسايرة والنظر في التبريرات الخادعة والملفّقة والدخول في متاهة الكذب المنظم، الذي يجيده الدجال المعتدي أردوغان.
روسيا وإيران تملكان كثيرا من أوراق الضغط والتأثير، التي يمكن أن ترغم أردوغان على التراجع وسحب قواته من سورية، والكفّ عن العربدة الإقليمية، التي يستقوي فيها بالحلف الأطلسي وقيادته الأميركية. وفي ذلك ما يكفي لتحفيز النخوة الروسية والإيرانية في سورية، وإرغام المعتدي التركي على انكفاء شامل دون شرط أو مساومة.
ذلك الهدف ليس مستحيلا على روسيا وإيران إذا عزمتا وخاطبتا التركي المعتدي بالحزم الكافي دون تحريك جندي واحد الى سورية. وفي الحسابات بين تركيا وكلٍّ من روسيا وإيران كثير من العوامل، التي تجعل الانكفاء التركي حاصلا محتوما، وليس متاحا فحسب. ومن المؤمّل أن تحرّك طهران اتصالات عاجلة مع موسكو لبحث الموضوع وإيجاد الصيغة المناسبة للتحرّك السياسي والعملي المناسب.
المطلوب المسارعة الى عقد مشاورات روسية – إيرانية – سورية لبلورة خطة مشتركة في التصدّي للعدوان والأطماع التركية في سورية دون أي تأخير أو تماهل. فالمعتدي يراهن على خلق وقائع جديدة تغطي اقتطاع أراض سورية، يشتهي إلحاقها وإحداث تغييرات ديمغرافية، تبرّر إلحاقها باستثمار واقع التداخل الجغرافي والسكاني، الذي وسم المنطقة وبلدانها تاريخيا، ما دفعنا الى الدعوة لاتحاد مشرقي يحفظ الأقليات والخصوصيات بمنطق احتواء المزايا وإغنائها وتعزيز المشتركات دون إخضاعٍ قسريٍّ أو غلبة أو شهوات هيمنة ونزوات استعلاء.
إن طالبنا روسيا وإيران بموقف حازم، فلأنهما الحليفتان والشريكتان الأقرب الى سورية، ولهما في ميادينها وترابها مآثر وشهداء. وأقلّ الواجب لحفظ تلك التضحيات وتثميرها في الوجهة الصحيحة ردع التمادي التركي بحزم، لتيسير الشروط الطبيعية المتكافئة، التي تسمح بالنقاش في مستقبل العلاقات السورية – التركية وإيجاد حلول مشتركة وهادئة لنقاط الاختلاف المحتملة بخصوص المناطق الحدودية. ما تثيره أنقرة يبدو مصطنعا ومختلقا لخدمة المشروع الاستعماري الأميركي الغربي، كما يبرهن التمحيص العلمي والتدقيق التاريخي.