العفو الذي لا يمحو العار ولا يشطب الجريمة
غالب قنديل
ما اقترفته القوات اللبنانية من آثام وارتكابات إجرامية بحقّ الوطن والشعب يتخطى شتّى مآثر سلطات الأمر الواقع وجرائمها خلال الحرب الأهلية، وإن تساوى الرصيد مع البعض في الكنتنة وفرض الخوّات وممارسة النهب. إذ يكفي لوسم الخيانة والعمالة احتفاظ القوات بعلاقة عضوية مع العدو الصهيوني واستخباراته.
بعد الهزيمة الصهيونية تحرّك الأميركي البشع ليدير التركة والمخلفات، وباتت القوات بعد العفو في مقدمة الطابور المشبوك بخيوط الاستتباع الأميركي، بل هي القوة المحلية الأكثر التصاقا والأشد ارتباطا بالأوامر والتعليمات الأميركية، وهي تتولى، بأمانة شديدة لميراثها، إدارة معركة مستدامة ضد خيار المقاومة والاستقلال والتحرّر الوطني، وإن كانت قد صبّت النقمة في السابق على الرشيد، الذي قتلته بإدانة مبرمة من أعلى سلطة قضائية، وتتنعم بعفو خاص لا يلغي العار العالق، ولا يسمح بعزل رصيد القوات، وسمير جعجع بالذات، عن عار تلك الجريمة أخلاقيا ووطنيا. وسيبقى جعجع في نظر الناس قاتل الرشيد، كما سيبقى رائد التقسيم والعمالة للعدو.
إن القوات تتموضع سياسيا في خنادق العداء للمقاومة وحلفها الوطني، وهي تمتاز بخطاب عدائي متطرّف. ويتنطح سمير جعجع لمناكفة قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله كلّما لاحت له سانحة، أملا في اصطناع ندّية لا تستقيم إطلاقا لا سياسيا ولا وطنيا ولا أخلاقيا.
تكشف تلك المناكفات عمق القلق والخوف المستمر من تراجع الحظوة عند السيد الأميركي والوكيل السعودي، اللذين ينوبان عن العدو الصهيوني في احتضان السيد جعجع وحزبه ودعمهما. والأكيد أن اعتبار حزب الله مركز الاستهداف ناجم عن دوره الوطني الطليعي في التحرير، وبناء معادلات القوة، وهو الجهة التي آل اليها ميراث عقود من النضال الوطني التحرّري في لبنان، تشاركت وتعاقبت في مراكمته قيادات وأحزاب وقوى وطنية، بذلت وقدّمت الكثير من التضحيات والشهداء.
إن عار اغتيال الرشيد يتجدّد في كل مناسبة يختارها حزب القوات ليكرس جذريّة مواقفه المعادية لكلّ ما هو وطني وعروبي وتقدمي في البلد والمنطقة، وهو كان في اشتراكه بالتحريض والتآمر على الشقيقة سورية قدّم دليلا مضافا على رسوخ ارتباطه بالخطط الأميركية الصهيونية في المنطقة، وكان الوكيل السعودي، هو منسق الأدوار والمساهمات في إقامة منصات إعلامية وأمنية لمصلحة عصابات التكفير والإرهاب، التي صدّرت القتلة والمجرمين الى سورية.
تحول السيد جعجع الى داعية للثورة الكاذبة المفخخة في سورية. وقد كانت من بصماتها النافرة انتهاكات لا لحرمة الكنائس والمعابد والمزارات. وقد نظّمت القوات كثيرا من الأنشطة تحت عنوان دعم “الثورة “، وما عرفنا العصابة المجرمة على صلة يوما بالثورة والثوار من قريب أو بعيد.
لكنه فعل عمالة متأصلة وارتهان قديم، جرى انعاش خطوطه عند الحاجة، لخدمة حرب حُشدت اليها جميع الأوراق والأدوات، ونعتقد أن تلك هي العلامة الفارقة.
سيبقى دم الرشيد حيّا، ووسم الجريمة سيطارد جعجع وحزبه، وليس مرور الزمن ولا أيّ عفو ساريا على التاريخ والذاكرة الشعبية، خصوصا وأن المجرم المدان لم يتلو فعل ندامته أمام الرأي العام. جرح الوطن لا يندمل ولا يسري مبدأ الغفران على من لم يقرّ بذنبه الشنيع بحق الشعب والوطن، بل هو ماض وممعن في مساره المعادي لكلّ ما هو وطني وعروبي في لبنان، بعد تبديل التشغيل من تل أبيب الى واشنطن والرياض، والتحصّن في موقع التطرّف الاعتراضي ضدّ كلّ ما هو وطني.