التوقيت الأميركي للتطبيع السعودي الصهيوني وأسبابه
غالب قنديل
لسنوات تساكنت الإمبراطورية الأميركية مع التحفّظ السعودي عن الاقتراب من دوائر الاحتكاك العلني بالكيان الصهيوني، وتولّى مسؤولون أميركيون، في مراحل سابقة، جسّ النبض السعودي حول التوقيت المواتي لنقل التنسيق والتناغم المحقّق برعاية أميركية من الظلّ الى العلن، وجوبهوا بالصدّ والممانعة السعودية، التي تنصح بالتريث.
تحاشيا للحرج وخوفا من استثارة وتحريك تداعيات مؤذية لصورة المملكة ودورها في المحيط العربي والإسلامي، الذي يتعامل مع فلسطين كقضية مبدئية، وليس بمفهوم النزاع، الذي سوّغته دعاية أميركية غربية، توخّت كيّ الوعي العربي والعالمي، وسهّلت بذلك على الكيان الصهيوني تفكيك سلاسل مقاطعة وتحريم خنقته سياسيا واقتصاديا، ومنعت تغلغله في الدوائر البعيدة والقريبة.
تكشف الخطوات السعودية الحثيثة للمجاهرة بالعلاقة مع الكيان الصهيوني رغبة أميركية صريحة في إحداث نقله صريحة ووقحة بالعلاقة الخفيّة الى مستوى الإعلان الصريح، الذي يتخطّى ما سبق أن افتُرض من موانع دينية وأخلاقية، فتقرّر فتح بلاد الحرمين على مصراعيها أمام الكيان الصهيوني من غير أيّ وازع، وبات من النوافل الكلام عن اتصالات ولقاءات. وآخر المفارقات أن يتكفّل الكيان الصهيوني بإزاحة اعتراضات وتحفظّات على المملكة السعودية في ملفات حقوق الإنسان على طريقة “عصفور كفل زرزور”.
إن النقلة الظاهرة في الحلف الصهيوني السعودي تحت الرعاية الأميركية تطوي عقودا ممتدّة من الخداع والتضليل، ظلّت خلالها المملكة تراعي التحريم السياسي والشعبي للعلاقة بالعدو، وتخشى ردود الفعل العربية المحتملة شعبيا وسياسيا.
تخطو المملكة بكلّ وقاحة في المنحى التطبيعي ضاربة عرض الحائط بكل الحواجز المعنوية والدينية، التي رضخت لها سابقا، رغم رغبة الأسرة المالكة، التي اضطرّت بدهاء لمسايرة المناخ الشعبي العربي الجارف، الذي تأصّل في إدانة السلوك السعودي ووضعه ضمن دوائر الريبة والشك.
افتُضحت السياسات السعودية منذ زمن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وخطبه، التي لاقت تجاوبا كاسحا، وحفرت عميقا في الوعي العربي الجمعي، وتحوّلت الى مورد ثقافي وسياسي مرجعي للأجيال العربية، ومن عاصروا الزعيم عبد الناصر في الطفولة والشباب يتذكرون قوة موقفه من الدور السعودي، وكذلك كلّ من يعود الى الأرشيف الناصري الغني والثمين.
ميراث ناصر، هو كنز فكري سياسي ثقافي لأجيالنا المعاصرة، يحوي الكثير من الدروس والعِبر والقيم التحرّرية القومية، وبالذات في الموضوع السعودي وفصوله، فهي ما تزال راهنة كأنها تُلقى اليوم، رغم تبدل الكثير من الظروف والعوامل.
إن نقل العلاقة السعودية الصهيونية الى العلن، هو تدبير أميركي، أملته حسابات النتائج التراكمية لصعود محور المقاومة وتوسّعه في المنطقة. واليوم، تلعب إيران دورا حيويا حاسما في إنهاض نزعة التحرّر العربية الكامنة بفضل إشعاع تجربة حزب الله، التي احتضنتها الجمهورية، ويسّرت لها سبل الدعم والقوة بالشراكة مع سورية الأسد، التي ما تزال قلعة العروبة، كما وصفها الزعيم العظيم جمال عبد الناصر والقائد الخالد حافظ الأسد. ومن المفارقات التاريخية أن يكون عبد الناصر من أعطى الإمام الخميني دعمه ومؤازرته في مراحل الإعداد للثورة العظيمة، وأن يكون القائد حافظ الأسد أول المحتفلين بالثورة المنتصرة، وها هو البشار، بالشراكة مع حزب الله، يكمل الطريق باسم أحرار العرب.
إن تصاعد ونموّ محور المقاومة، ولا سيما بعد النجدة التاريخية اليمنية، يشعر الكيان بالحاجة لنجدة معنوية وسياسية. وهنا، تحركت الولايات المتحدة، فجرّت المملكة السعودية الى كسر التحريم السابق، حتى توفِّر لربيتها نجدة معنوية واقتصادية بالوكالة، وتنقل الى العلن بعض ما خفي من علاقات تحالف وتعاون وشراكة بين النظام السعودي والكيان الصهيوني.