نصر الله يضع قوة المقاومة وعلاقاتها في رصيد الإنقاذ
غالب قنديل
ما من منطق يقبل أو يبيح استسلام بلد وشعب لمسار انزلاق كارثي، بينما لديه ثروة كامنة وكنز دفين في مياهه الإقليمية، وجهة وطنية، تمتلك قوة وتحالفات، قادرة على ضمان الحماية، واتخاذ المبادرات، وتيسير الشراكات الشقيقة الأمينة بشروط منصفة متكافئة في تيسير استخراج النفط واستثماره وتسويقه وضمان تدفق الأموال في عروق الاقتصاد الوطني، وإحداث عشرات الفرص التي تضمن تشغيل عشرات الآلاف في مرافق تصنيع وتكرير ومعالجة.
التكاسل اللبناني، وما يصحبه من انفصام مرضي، ينتج اتكالا “تنبليا” وقعودا عن أيّ مبادرة بإدمان التواكل والخمود في التدحرج داخل منزلقات مفضية الى هوة سحيقة. في حين يسدّ القعود فرصا وبوابات انفراج مذهلة وواعدة، وهذه حالة سريالية غريبة عجيبة، لا صلة لها بأيّ منطق آدمي او عقلاني، حتى المعايير البدائية، ومن غير الحاجة للتبحّر في نظريات التنمية وتجاربها في العالم الثالث.
يشبه النظام اللبناني أمثولة قديمة عن تنابل السلطان، الذين تقرّر القاؤهم في البوسفور للتخلّص من عبء إطعامهم، وعندما أخبرهم الضابط المكلّف أنه مستعدّ لإرجاعهم على عاتقه الى القصر، وسيؤمن لهم ما يفيض من الخبز عن موائد القصر، سأله فطينهم عمّن سيبلّ الخبز، فأجابه أنهم سيتولون ذلك بأنفسهم، فآثروا، بعد التشاور والضجيج، أن يقذف بهم الى أهوال المضيق ووحوشه حتى لا يقوموا بجهد ضئيل يؤمّن قوتهم.
ثروة طائلة كامنة يتربّص بها العدو ليلتفّ على مسارب شفطها، ويَنفَذ الى مخزونات ضخمة كامنة من النفط والغاز في بحرنا، يكفي منها القليل لانتشال البلد من نكبته الكارثية، وتفيض بالكثير من الفرص والقدرات إن عولجت ملفاتها بفطنة تتوسّل المصالح الوطنية، وبنزاهة الابتعاد عن السمسرة المتأصلة في المشهد اللبناني، والملازمة لسلوكيات النخبة اللبنانية الاقتصادية والمالية والسياسية، وحيث لُقِّب رئيس سابق بالمستر “كوميشن” من سفراء الدول الراعية والداعمة لحكمه.
المفارقة سوريالية تفوق طاقة التخيل. فبلدنا في خراب موصول، وكنوزنا النفطية تمتدّ اليها يد العدو، ويدنا ممدودة للتسوّل والاقتراض، بينما لدينا قوة جبارة يخشاها العدو، إن هي تحرّكت أو همهمت تستطيع حماية إخراج الكنوز من بحرنا وتسييلها ثروة ضخمة، وكذلك تيسير شراكات سخية ومتكافئة منزّهة عن الأطماع وعن رغبات الهيمنة، وهي معروضة ومبسوطة أمام ناظري شعب تاه في دوامة انهيار مريع وتدهور حلزوني الى هوّة بلا قعر.
لدى المقاومة وقائدها قدرة ومونة على تيسير شراكات مجزية تتيح استخراج الغاز والنفط، وتضمن إحداث المنشآت والبنى المناسبة للاستخراج والمعالجة الضرورية، سواء كانت من خلال معامل التغويز أو مصافي التكرير، ولدى الحلفاء والأصدقاء من إيران وروسيا الى فنزويلا وسورية والعراق كلّ الكفاءات والقدرات والخبراء، وهي بلدان منتجة للنفط والغاز، كما لديها خبرات وشراكات في التسويق والتصنيع، يمكن الاستعانة بها لتكوين قطاع منتج، يردّ ثروة هائلة للبلد، ويرفده بإمكانات ضخمة وغير مسبوقة. وينبغي الالتفات الى أن لبنان يحوز حشدا من الخبراء والمهندسين في شتى المجالات، ولو وجّهت الدولة نداءات لمواطنيها المؤهّلين العاملين في القطاعات النفطية لدول الاغتراب، لوردت التلبية العاجلة بالمئات، الذين يشكلون كنزا من العقول والكفاءات والخبرات الوطنية، التي يشتهي أصحابها فرصة في بلدهم.
ورقة الصدفة السعيدة يهدّدها الارتهان والرعب الكامن من الغضب والتربّص الأميركي، رغم عناصر القوة الهادرة المنيعة، التي يملكها لبنان بفضل المقاومة وقيادتها الحكيمة وسيدها الرشيد، وهذه المفارقة الخطيرة تتطلّب المبادرة العاجلة لعقد مؤتمر، يُدعى اليه خبراؤنا المعنيون في الاغتراب وعلى أرض الوطن من أصحاب الاختصاص، ولتوضع مشاريع الخطط الوطنية وبرامج الاستثمار العامة المنزّهة عن أصابع أهل النظام وأيديهم وأخطبوط الشفط واللهط المتربص، فمستقبل الأجيال الطالعة لا يحتمل المقامرة، وهو في أمان تحرسه سواعد وعقول وعيون ساهرة وسيّدٌ حكيم.