وقاحة السفير السعودي وخبل التسوّل اللبناني الذليل
غالب قنديل
يتصرف السفير السعودي وليد البخاري ويتكلم بعنجهية الإملاء المشين، وهو يحشر أنفه في الشاردة والواردة، حتى يحسبه السامع قد انتُخب للتو عضوا في البرلمان اللبناني، وهو الغريب مع نظامه عن فكرة الانتخاب والمجالس غربة إبليس عن الجنة.
كلما لاحت للبخاري فرصة يقحم أنفه في الشؤون اللبنانية، ويفتي في أيّ مناسبة مناسبة، يحفّ به طقم من المرتزقة و”السحيجة”، تتقدمهم القوات اللبنانية بوصفها محظية البلاط وربيبته المفضلة على سائر الأعوان والتوابع في محفظة الاستتباع اللبناني المشين حتى القرف، لما فيه من استذلال وابتذال.
الشائنة الأفظع، هي صمت وخبل السلطات والجهات اللبنانية، التي تمرّ على مسامعها وتحت ناظريها، تدخلات سافرة ومخالفات نافرة لأبسط أعراف التعامل بين الدول، ولأصول ولياقات، يستبيحها المندوب السامي السعودي.
أول ما يتبادر، هو التساؤل: ماذا لو أدلى السفير السوري في بيروت برأي سياسي في أي شأن داخلي لبناني؟، ونعرف عنه كما يعرف سائر الإعلام اللبناني الكثير من التحفّظ والتهذيب، ورفض الخوض في الشؤون اللبنانية الداخلية من سنوات. والسفير مثقف كبير وشاعر وصاحب رأي حكما، لكنه يحتفظ لنفسه بالتقييمات، التي قلّما يوحي بها، حتى في أحاديثه المغلقة مع دائرة ضيقة من الأصدقاء، متحفّظا بكل تهذيب ورصانة.
سانحة التدخّل الوقح في الشأن الداخلي خلال الانتخابات النيابية وصمت السلطات اللبنانية، هي شائنة لا تحتاج برهانا، وتستكمل صورة الجمهورية المخلّعة، التي يسرح ويمرح فيها قناصل وسفراء، زادوا تنمرا وعنجهية.
يزيد الفجور استشعار المزيد من حشرجات التسوّل وبكائيات الاستعطاف المذل، التي يتقنها المسؤولون اللبنانيون مع الدول الغربية، والخليجية بالذات، وهم أسرى فصام الانفصال الأخلاقي والقيمي عن وجدان شعب يغمره الفخر بإذلال الدولة العبرية وسحق عنجيتها، التي دانت لها رقاب حكام وحكومات أنظمة الخنوع والاستتباع العربية.
ليس المتوقّع من الحكومة اللبنانية أن تجرؤ على اتخاذ الموقف الطبيعي بتذكير السفير بالأصول والقواعد المتعارف عليها دوليا وعربيا، والتي تمنع عليه التدخّل في شؤون البلد المضيف تحت طائلة طلب سحبه مرتجعا الى حكومته، وهذا أضعف الإيمان.
في بلد نقص المناعة السيادي المزمن لا قيود على أنشطة السفارات والسفراء والقناصل، الذين يتصرفون على هواهم ويمسحون بلاط سفاراتهم باتفاقية فيينا وأصول التعامل بين الدول، ومعها يمرّغون سيادتنا في وحل الاستباحة ومهانة الاستقواء والإذلال المشين، والصدى ليس سوى الصمت والتفرّج، وخبل الاستكانة والكساح الكلّي أمام الاختراقات السافرة للأصول والأعراق والقوانين والقواعد المتعارف عليها بين الدول. تحت ضغط الانهيار سوّغ الواقع السياسي نهج التسول والاسترضاء الذليل للسفارات الأجنبية والعربية، والويل إذا قدّم أحد المسؤولين الكبار احتجاجا أو عتابا ولوما. وإن تعطّف وأرسل في طلب أيّ مسؤول لبناني، قد يتسربل في لهاثه الى اللقاء والتماس الرضا وارتقاب المنح والعطايا من الفتات المتروك للحواشي.
تطالعنا دائما في أدبيات الذيلية والخنوع تبريرات عدم الإضرار بالمصالح المشتركة. ونتساءل باستمرار: مصالح مّن في لبنان؟ وأيّ مصلحة عامة للشعب؟. والواقع أن جلّ ما تخصّصه الجهات الأجنبية والعربية يخدم خطط صرف النفوذ وتجنيد الأبواق. فتلك الحكومات تعطي الأولوية دائما لاستثماراتها السياسية والأمنية في اختراق النسيج الوطني اللبناني، وإقامة منصات تسويق وتشغيل مشبوكة، تغمرها شبهات والتباسات سياسية وأمنية ومالية، وما خفي كان أعظم.
المفارقة، أنه رغم الخراب يصمم النظام على رعاية ومداهنة تلك العواصم والسفارات، وهو يواصل إحكام سدّ النوافذ والأبواب في وجه الشرق، رغم ما تضمّنته عروض سخية من روسيا والصين وإيران، ورغم سلوكيات تلك الدول الراقية في احترام السيادة اللبنانية ولياقات التعامل. المحزن أن يعرف المسؤولون بالتفاصيل أيّ فرص وعائدات فوّتوها على البلد، الذي يرزح في محنة قاسية، وأيّ فرص سدّوا سبلها للظفر برضا السيد الأميركي.