سقط وهم الانقلاب وبدأ مخاض التسويات
غالب قنديل
بعد فورة الانتشاء العابرة بوهم الانقلاب على المعادلات والتوازنات، التي طغت على طابور سياسي مشبوك بالحلف الأميركي السعودي، حلّت تدريجيا لغة وحسابات واقعية، فرضت نفسها، وعادت الأنظار تشخص الى دور الرئيس نبيه بري العائد حكما بقوة المشروعية والميثاقية لرئاسة المجلس، وهو سيدير بحكمته وخبرته العملية البرلمانية، ويتولى حبك التفاهمات والتسويات الممكنة التي ستنطلق من تشكيل اللجان النيابية، والأرجح انها ستكون مثالا لموالفات وتحالفات لاحقة في ساحة النجمة، وميزتها الرئيسية الباقية، هي كونها تتحرك وفق المواضيع والعناوين.
وقد برز بوضوح أن حركة أمل وحزب الله يقودان توجها لبلورة تفاهمات بين الكتل على الخطوات التالية دستوريا بعد انبثاق المجلس الجديد، وهي تشمل رئاسة المجلس واللجان النيابية. ومن الواضح أن الرئيس نبيه بري سيضع لمسته الخاصة، ويتصدّى لقيادة المرحلة الجديدة.
لكلمة الرئيس دورها الراجح في بلورة الخيارات لسائر المواقع والمناصب في هيئة أركان مجلسية، سيعمل شاغلوها من النواب برئاسته في إدارة العمل البرلماني لولاية كاملة. وهذه العملية ستكون بداية نسج التفاهمات الممكنة بين الكتل في بداية الدور التشريعي، وجسرا لموالفات وتحالفات لاحقة في ملفات عديدة مقبلة مجلسيا وحكوميا، وهي سترخي بظلالها وتؤثر في استحقاقات مجلسية وحكومية وسياسية قادمة.
جاءت كلمة السيد نصرالله تستكمل وتحصّن التوجّه، الذي طرحه وتحرّك بوحيه رئيس المجلس حين شدّد على روحية التفاهم والوفاق الوطني في التعاطي مع سائر العناوين والقضايا. ودعوة قائد المقاومة للهدوء والعقلانية تذكير مستحق بأهمية الاستقرار وأسبقيته على تسجيل النقاط وزجليات الإثارة والتجييش، التي صعّدت وطغت خلال الحملات الانتخابية.
فتح قائد المقاومة أبواب التغيير وآفاقه بالدعوة الى قانون انتخاب نسبي خارج القيد الطائفي وفي لبنان دائرة واحدة، وهي النقلة الثورية المرتجاة في واقع لبنان السياسي والدستوري، التي يحمل تبنّي السيد نصرالله لاعتمادها الكثير من المعاني والأبعاد العميقة.
هذه الفكرة التقدمية المشتركة بين الرئيس بري والسيد نصرالله تمثّل مبادرة نوعية وتاريخية، يفترض تجسيدها بمبادرة تشريعية تنفيذية محددة زمنيا، بحيث تكون الانتخابات المقبلة، بعد انتهاء ولاية المجلس الجديد، بداية نوعية لمرحلة جديدة كليا في تاريخ النظام اللبناني.
تنفتح أبواب المرحلة الجديدة، وتواجه الشخصيات والكتل الوافدة الى ساحة النجمة تحدي تظهير خياراتها ومشاريعها وبلورتها. وبينما لا تسمح التوازنات الدقيقة بترجيح أيّ خيار بمفرده، سوف تسود لغة التسويات والتفاهمات. وعبرة التجارب الظاهرة، هي تهشيم الرؤوس الانقلابية الواهمة وانكفاؤها الى الخضوع للتسويات، مهما تمسّكت بعنجهية ادعاءٍ وانتفاخٍ افتراضي لا أساس له ولا جذور في أرض الواقع الشعبي والسياسي.
من الحنكة والحكمة في السياسة الواقعية دراسة التجارب وأخذ العبر، بدلا من خوض اختبارات ومغامرات بدفعٍ من وهم أو رهان افتراضي أو تحريض خارجي، ودائما كان مصير المغامرين في هذا السبيل خسرانا وخيبة، نأمل أن يتحاشاهما الوافدون الى المجلس من النواب الجدد، والحاصل العملي للتجربة يقاس بالإنجازات وليس بعدد الاستعراضات الكلامية، التي تستهوي الكثيرين.