مأزق أميركي يتخطّى الحساب السياسي أو الانتخابي
غالب قنديل
تعيش الدوائر الرجعية اللبنانية إحباطا ويأسا ظاهرين من فرص تحقيق نتائج مقبولة في السباق الانتخابي الوشيك، وتبدي خيبة ظاهرة من حاصل الرهان على حالات وجماعات، ثبت كساحها وعقمها، وهي بالكاد تمتلك القدرة والأهلية لحجز حصة هزيلة من حواصل التصويت.
تسطع الحقيقة، رغم الصخب الإعلامي، وشبكات الاستخبارات المساعدة وسائر المنافذ المفتوحة عبر وسائل الإعلام الضخمة المحلية والفضائية والإقليمية، المجنّدة في معاركها بشتى الأدوات والأشكال المتاحة، وبعضها بلغ درجات عالية من الفجور وانتهاك التقاليد المهنية، ناهيك عن الضوابط والأصول القانونية.
شكّلت إفادة ديفيد شينكر أمام معهد واشنطن بيان عجز وإفلاس أميركي في لبنان، الذي عُدّ يوما من أهم وأبرز المنصّات ومراكز التخطيط وإدارة شبكات التجسس الأميركية على مستوى المنطقة. وقد أنشئت فيه غرف عمليات أمنية وسياسية بحجم المنطقة.
أهمية الأوكار الأميركية تُعرف بحجم الجغرافية الإقليمية الواسعة، التي طاولتها واخترقها الجواسيس، لينشئوا مرتكزات استعلام وتخريب في العديد من بلدان الجوار، انطلاقا من بيروت، التي احتلّت مكانا مميزا في تسهيلاتها، وفرص الحركة والنشاط التحسّسي المتاحة، منها وعبرها، إلى الجوار القريب والبعيد، ولاسيما نحو سورية والأردن والعراق، وكذلك الى الضفة والقطاع، في ظلّ وجود وانتشار فلسطيني وازن داخل المخيمات وخارجها.
هذه الأهمية تجسّدت باستمرار في تواتر الزيارات الأميركية الرسمية الى لبنان، ودرجة نشاط السفراء والدبلوماسيين المقيمين في بيروت. وقد بات الاهتمام الأميركي مضاعفا مع سطوع نجم حزب الله، ودوره البارز في المنطقة وساحاتها وبلدانها.
اليوم، ومع انقلاب الصورة الإقليمية، وتبلور محور المقاومة على صعيد المنطقة، باتت الحركة الأميركية مشوبة بالحذر والتحسّب والمخاوف، ولا سيما في لبنان الموضوع تحت مجهر المقاومة وحلفها الإقليمي سياسيا وأمنيا، وهو بالأصل هدف لخطط اختراق غربية وصهيونية، بكلّ وسيلة ممكنة، ولا سيما في زمن الفضاء المفتوح وشبكات التواصل المتطورة، التي توسّعت وانتشرت بكثافة.
شكا المخططون الأميركيون من تبعات تراجع القدرات الاستخباراتية الأميركية في المنطقة، منذ انفجار السفارة في بيروت، وبعد سطوع قوة المقاومة بقيادة حزب الله وتناميها وتوسع نفوذها ومطاردتها للشبكات والأوكار العميلة. وهو ما وصفه بعض الخبراء بالعمى الاستخباري، الذي يفتح أبواب المفاجآت على مصراعيها، ويجعل جميع الاحتمالات واردة.
قامت في لبنان حالة من التناغم بين أمن المقاومة ومخابرات الجيش والأمن العام وفرع المعلومات. وقد عملت مجتمعة بالتنسيق المباشر مع الشقيقة سورية في مجالات المتابعة والمراقبة وجمع المعلومات وتحليلها واعادة توظيفها، وهذا ما يمثّل جدار حماية للبلد، منع العمليات التخريبية والإجرامية، التي حصدت الكثير خلال سنوات. وقد جمعت المؤسسات اللبنانية والسورية كنوز معلومات، تعيد تثميرها في إشادة جدر الحماية المحصّنة بالردع الدفاعي المقاوم.
يوظّف حزب الله المقاوم جميع عناصر القوة وتشعّب تحالفاته في لبنان والدول الشقيقة المجاورة لحماية وطنه، ويحشد جهودا جبّارة لرصد ومتابعة الشاردة والواردة في خطط العدو ومشاريعه على مساحة المنطقة وجميع بلدانها وساحاتها، انطلاقا من فهم الترابط والتداخل، الذي تجسّده الحقائق الراسخة والتفاعلات الظاهرة، وهو مصمّم على التمكّن من عناصر القوة ومراكمة المزيد منها في جميع المجالات التي يقتحمها المقاومون، ويبدعون في الاتقان والتأصيل، وابتكاراتهم ومنجزاتهم ظهر منها ما يجعل انقلاب الصورة في التوازن الإقليمي هدفا وشيكا بتناغم المقاومين وتشابك الساحات.
بلغ بعض الخبراء الأميركيين حدّ وصف المشهد اللبناني بالعمى الاستخباراتي في مبالغة مقصودة، وفي إشارة مستحقّة الى تغيّر جوهريّ، حدث منذ سنوات، بقيام سلطة سياسية لبنانية ومؤسسات أمنية اعتنقت موقفا سياديا، وركّزت جهودا كبيرة في مطاردة شبكات التجسّس الصهيونية والأجنبية، وأرسلت منهم أعدادا هائلة الى السجون والمحاكم، بعد الحصول على معلومات ثمينة عن الاختراقات ومشاريع الاختراق المقرّرة، التي كشفها وحاصرها واحبطها وفكّكها جهد متكامل، ساهمت فيه المقاومة والمؤسسات الأمنية الوطنية.