انتخابات لبنان ٢٠٢٢ ” استفتاء لتحديد الهوية والمكانة امين محمد حطيط
اعتادت الدول الاستعمارية وبعض الدول التي تتطلع للسيطرة وبسط نفوذها الإقليمي لتوسيع فضائها الحيوي الاستراتيجي، على الاستعاضة عن الاحتلال العسكري والحكم المباشر للدول المستهدفة باستعمار او سيطرة وإبداله بتعيين حكام يشكلون حراساً للمصالح الأجنبية في البلدان التي يحملون جنسيتها، وللوصول الى هذا الوضع شهد العالم الكثير الفرض الخارجي للحكام أو الانقلابات العسكرية التي ترفع شعارات وطنية طنانة ثم يفتضح أمر أصحابها في تبعيتهم وخدماتهم للاستعمار او الدول الطامحة للسيطرة وندر أن خرج عن هذا المسار حكام جاءت بهم الانقلابات او انقلبوا على مشغليهم ومارسوا بحق قيادة وطنية لأجل شعوبهم.
كان للانقلابات العسكرية عهد أدّى دوره ومضى وحلت مكانه اليوم ما اطلق عليه الثورات الملوّنة، والتي عرف بعض الأسوأ من صورها في منطقتنا في ما أسمي زوراً «الربيع العربي»، هذه الثورات وكان للبنان من هذا الربيع المزوّر المزعوم نصيب تجرعه على مراحل متتالية كانت حلقتها الأخيرة قد اطلقت في آذار 2019 عندما جاء بومبيو وزير خارجية أميركا وأطلق خطته الإجرامية لإسقاط لبنان واسقاط مقاومته ولإعادة صياغته بعد السقوط والتدمير صياغة تناسب المشروع الصهيوأميركي ليكون نواة لشرق أوسط جديد يتشكل على أساس وظيفي فيكون مستعمرة أميركية يجعل شعبها في خدمة المستعمر وثروتها حكراً عليه ولا يصيب أصحابها الفعليين الا النزر اليسير جداً منها.
لكن خطة بومبيو ورغم انها نجحت في تدمير الاقتصاد اللبناني وتحقيق الانهيار النقدي ودفعت بالغالبية العظمى من الشعب الى دوائر الفاقة والجوع وحرمت لبنان من مصادر ثروته البحرية ومنعت محاسبة من أفسد وضيّع على اللبنانيين ودائعهم المصرفية، هذه الخطة رغم انها أنزلت الكثير من المآسي في الشعب اللبناني إلا أنها عجزت حتى الآن عن توفير الفرص والوسائل لنزع سلاح المقاومة ثم تفكيكها وإخراج من يتمسك بها وبسلاحها من المشهد اللبناني كلياً، ولذلك فإنّ هذه القوى من إقليمية متمثلة بالسعودية بشكل خاص ودولية متمثلة بأميركا بشكل واضح، هذه القوى تعوّل على الانتخابات النيابية التي خطط لها لتنتهي في ١٥ أيار الحالي لإعادة تشكيل السلطة في لبنان بشكل يناسبها.
نعم عوّلت هذه القوى الاستعمارية وقوى الطموح للسيطرة الإقليمية، على الانتخابات لتحقيق الغرض الاستراتيجي لها عبر امتلاك أكثرية نيابية أولاً ثم تشكيل حكومة تقصي المقاومة عن المشاركة في السلطة وتعيد للأذهان مرحلة الاستئثار التي نشأت في كانون الأول 2006 واستمرت الى أيار 2008 مع ما شهدتها من مآسٍ كادت تفجر حرباً أهلية شاملة في لبنان.
لذلك فإنّ القوى المشغلة سعودياً وأميركياً والتي ينخرط في صفوفها أشخاص وقيادات ومقامات دينية وسياسية وحزبية واقتصادية وإعلامية متنوّعة والمموّلة بسخاء كبير بأموال أجنبية تنفقها السفارات ويوزعها السفراء في تجوالهم في المناطق اللبنانية خلافاً لكل الأعراف والأصول الدبلوماسية وخرقا لاتفاقيات فيينا المتعلقة بالعمل الدبلوماسي، انّ كلّ هذه القوى تخوض الانتخابات تحت عنوان واحد هو نزع سلاح المقاومة مهما كانت النتائج ومهما كانت الانعكاسات على السلم الأهلي اللبناني، فأميركا او السعودية لا يهمّهما أمن الشعوب وسيادتها ومصالحها وقرارها المستقل بل يهمها مصالحها هي ومصلحتها هذه الآن في لبنان تتمثل كما يعلنون في نزع سلاح المقاومة الذي حرر الارض ويلوح به لمنع «إسرائيل» من السطو على الثروات النفطية والغاز في البحر وسيمنع أيضاً اقتطاع الأرض عند الحدود وتوطين الفلسطينيين في الداخل اللبناني، والسطو على المياه أيضاً.
لكل ذلك فإنّ هذه الانتخابات تكتسي أهمية تاريخية مفصلية وهي تتعدى كونها انتخاب أشخاص سيتشكل منهم المجلس النيابي اللبناني الجديد وتالياً يعيدون تشكيل السلطة ومؤسسات الدولة عبر تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، انتخابات تتعدّى وظيفتها الطبيعة تلك لتشكل استفتاء شعبياً على هوية لبنان وقوته ومقاومته ولتجيب على سؤال مركزي: هل نريد لبنان السيد المستقل القوي بمقاومته الآمن المنيع بقوته القادر على حماية شعبه وثرواته بنفسه ام نختار لبنان التابع الواهن الضعيف المتنازل عن حقوقه والفاقد للسيادة والاستقلال؟
إنّ انتخابات العام 2022 التي تختم يوم الأحد المقبل بالجزء الأهم من مراحلها هي استفتاء على هوية لبنان ودوره وموقعه الاستراتيجي وقد يترتب على نتائجها الكثير الكثير على صعيد الامن والسياسة والاقتصاد ولسنوات طويلة لأنها تجري في ظل مرحلة إقليمية ودولية حرجة وخاصة يعاد فيها تشكيل المنطقة برمتها والعالم كله بعد فشل معسكر الاستعمار والسيطرة في تحقيق ما ابتغاه في سورية من خلال الحرب الكونية التي شنت عليها او ما أراده في اليمن من خلال «عدوان الحزم « السلطوي الذي فشل فنزلت بأصحابه الهزيمة التي يتخبط في تشعباتها، او ما يتهدّده في أوكرانيا من نزع أنياب وقطع أيدي العبث والعدوان، لكلّ ذلك جاء الى لبنان ليعوّض خسارته ويتخذه منصة ينقض منها للانتقام ممن أفشله، الأمر الذي يطرح التحدي الكبير على المواطن اللبناني الناخب ليجيب على سؤال أساسي: هل ينصر المقاومة التي تحميه بعز وكرامة وتحفظ حقوقه ام ينتخب ضدهّا فينصر أعداء لبنان الطامعين بثرواته المتحفزين لانتهاك حقوقه…؟