معاني وأبعاد التكالب الغربي على روسيا
غالب قنديل
ما من شاردة أو واردة في المحيط الروسي القريب والبعيد لا تستثير الاهتمام والمتابعة في واشنطن وعواصم الناتو الأخرى أو هي تحرّك شهيّة التدخّل واختبار مدّ الأيادي والأصابع في فناء روسيا القريب، كما في أوكرانيا أو في دوائر حركتها وتأثيرها البعيدة نسبيا، كما في سورية والشرق العربي.
القلق الغربي والأميركي خصوصا، يشي بمخاوف وشكوك اتجاه تأثير روسي مرتقب على التوازنات العالمية، يصدّع الهيمنة الأميركية ويضعفها. وما يلفت الانتباه هو العقلانية الروسية الهادئة البعيدة عن اللغو الكلامي والاستعراض بمقدار الحزم والسرعة في التحرّك الميداني.
روسيا الدولة العظمى بمقدراتها الاقتصادية وحضورها السياسي والمعنوي تختزن مزايا نوعية استراتيجية واقتصادية، كان بعضها مكتوما مطموسا بين دفتيّ التعتيم الروسي المنظّم نتيجة النهج الكتوم وغير الاستعراضي، وهي ميزات ممتدة منذ الحقبة السوفيتية السابقة.
الغطرسة الأميركية تطمس وتتجاهل مزايا القوى المنافسة والمناوئة لتحمي مهابة وسطوة الإمبراطورية وهيمنتها على العالم كلّه، انطلاقا من نهج استعلائي يطبع السلوكيات والمواقف الأميركية، التي يقابلها تواضع وهدوء غالبان على مواقف كل من روسيا والصين وإيران، التي اكتسبت وراكمت كثيرا من عناصر القوة ليس أقلها بلوغ الحافة النووية.
روسيا إمبراطورية كبرى وقوة عظمى بحكم الجغرافية الشاسعة والقارية والموارد الهائلة والمتنوعة والآلة المنتجة العملاقة وتنوع البنى والموارد، بحيث أن جميع التقديرات تخلص الى ارتقاب مكانة روسية متقدّمة في المنافسة العالمية المحتدمة، والتكالب الأميركي السافر يفضح هواجس وتوقّعات غربية لن تتأخر علائمها ومؤشراتها في الظهور والتّبلور.
الحصار والتضييق ومخطط الاستنزاف من الخاصرة يكشف النفير الأميركي الأطلسي، ويفضح جوهره ومحفّزاته الاقتصادية والسياسية في محاولات النيل من القوة الروسية ومنع تناميها، الذي يؤثر في خرائط القوة والنفوذ على الصعيد العالمي.
الدور الروسي فاعل واقعيا في أقاليم شاسعة من آسيا واوروبا، تتجه صوبها المراصد الأميركية والصينية في آن. وفي حين ترتبط الصين بعلاقات ودّ وتعاون وشراكة مع الاتحاد الروسي، فستكون المصالح الحيوية لكل من موسكو وبكين حاضنة إرادة صلبة مشتركة في التصدّي للغطرسة الأميركية وكبح جماحها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
المسار الطبيعي المرتقب لتبلور التوازنات والعلاقات الدولية يقود الى توقّع تقارب مثلّث الرؤوس، يضم روسيا والصين وإيران، وسيُبنى على هذا التحول مسار عالمي نوعي في تبلور التوازنات ومعادلات القوة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وهذا التكتل الشرقي الواعد يملك مقومات قلب الطاولة وتغيير الاتجاه الاستقطابي في العلاقات الدولية وتوازناتها.
الحركة الأميركية الأطلسية لن تغير المسار ولن تعدّله، وهي لن تقلب المعادلات أو تؤثر فيها لأن لدى الجهة المقابلة عزما وقدرة وإدراكا استباقيا لمرامي الناتو والمعسكر الغربي بقيادته الأميركية. وسيكون من مفاعيل الاستفزاز تجذير الحلف المقابل، وتطوير مجالات التعاون وتوسيعها وترقيتها الى شراكات أوثق وأعمق في سائر المجالات والميادين المتاحة.