انتخابات في زمن الانهيار والتآكل وبارقة إنقاذ
غالب قنديل
تحلّ الانتخابات النيابية بالتزامن مع حالة الانهيار الاقتصادي والمالي الخطير، وقلّما نقع واقعيا على وصفة مجدية أو مفيدة، تفتح نوافذ انعاش وإنقاذ لولا بارقة الأمل التي رسمتها المقاومة وقائدها من خلال فكرة الاتجاه شرقا، وهي للأسف رهينة انتظار سياسي وانتخابي، يسابق الكارثة المتشعّبة.
الأزمة الخطيرة وتأثيراتها المتعدّدة لدرجة تغرق المراقب في حلقات الحيرة، إذا شاء رسم أولويات افتراضية مبنية على الراهن من معاناة الناس، أهي الطبابة أم الدواء أم السلع الضرورية أم الكهرباء أم مياه الشفة والاتصالات بشبكاتها المهترئة والمتعددة الاستخدامات.
تلفظ أنفاسها في البلد سائر المرافق الخدمية العامة، التي تعني الناس وتمسّ حياتهم وعيشهم اليومي، بما فيه من هموم جادة كثيرة، تتخطّى مسارب التنفّس والتواصل الاجتماعي مع تقطّع تغذية التيار الكهربائي وشيوع الاعتماد على المولّدات الخاصة المنتشرة وشركات الخدمات الأخرى في الأحياء والقرى لتوزيع خدمات الكابل والأنترنت والهاتف.
ليس الأمر، فحسب، مجرد انهيار للخدمات العامة ومؤسساتها المركزية وانتقال المرجعية الى شركات ومجموعات محلية بوكلاء ومقاولين، باتوا مرجعية الخدمات، وهم يستخدمون المرافق العامة بوضع اليد عليها سواء بغضّ النظر أم بتواطؤ الإدارات العامة وبشراكة الباطن مع بعض المسؤولين والمدراء.
يتلهّى المسؤولون بمياومة عقيمة في معالجة المشكلة المالية، وفق وصفات صندوق النقد الدولي بمزيد من الاقتراض والمديونية، التي ستكبّل البلد والاقتصاد لسنوات مقبلة حافلة بالمصاعب. بينما يدار الظهر بصفاقة للخيارات الشرقية وعروضها السخية.
كأن المبتغى والمراد، هو تزخيم الكارثة لا الخروج من نفقها الصعب والمتعرّج. وأهل السلطة هانئون في أبراجهم ودوائرهم المغلقة والمعزولة، ينظرون الى الناس بتعجّب وبعض شفقة، وتعطّف يغذّي نزعات التسوّل والاستزلام الراسخة في طباع بعض الناس، ولاسيما في تقاليدهم السياسية والانتخابية، التي حفلت تاريخيا بصفقات بيع وشراء جماعية لا يبدّل جريها اختلاف النظام الانتخابي.
نظريا، تكون الانتخابات فرصة لطرح أفكار وبرامج ومشاريع، تطال الهموم العامة الوطنية والاجتماعية، ولكن مجتمعنا السياسي منكوب، مصاب بفقر دم مَرَضي مزمن وأنيميا فكرية وثقافية، واللعبة لا يبدع فيها سوى المفاتيح الموكلون تقليديا بحشد الجموع وشحنها الى مراكز الاقتراع كالقطعان، مع تعليمة التصويت الموجبة لتقاضي المعلوم، وسواء كان النظام أكثريا ام نسبيا، فاللعبة سيّان سارية بتواطؤ التسهيل وغضّ النظر.
تبقى المقاومة وحدها مصدر الإشعاع، ومبعث التفاؤل بإمكانية إخراج لبنان من النفق الخطير، وهي تثبت برصيدها ومصداقيتها قدرة وفاعلية وموثوقية ورُقيّا، تفتح بوابات الأمل بالخروج من النفق الكارثي الى مرحلة جديدة ومتقدّمة من التعافي والنمو، بعد الانتخابات، بحكومة الحلف الوطني المقاوم ومشروعه الإنقاذي.