ذكرى الإبادة الأرمنية والبصمة الصهيونية التركية
غالب قنديل
تكشف الوقائع وبعض الوثائق والتقارير المتداولة حقيقة العلاقة العضوية بين تركيا العثمانية والحركة الصهيونية ومشروعها في المنطقة تحت مظلة الاستعمار الغربي.
ثمّة ما يتصل بوقائع المجازر، التي استهدفت الشعب الأرمني الشقيق وأدت الى تشريده. وقد كان نصيبنا في سورية ولبنان والعراق جالية أرمنية سرعان ما أظهرت قابلية للاندماج المجتمعي والثقافي، وشكّلت ذخيرة نمو صناعي واقتصادي وغنى حضاري.
تحيي الأردوغانية الميراث العثماني الخبيث بنهجها العدواني، وتسقط الغلالة الخادعة، التي اعتمرتها في التسلّل الاقتصادي والسياسي الى سورية والعراق ولبنان، وأصل الهوية والمصير في المشرق، هو العداء للصهيونية وكيانها الاستعماري الاستيطاني الحليف للعثمانية الجديدة.
الأردوغانية، هي مسخ معاصر للعثمانية، وقد أسقطت كلّ وهم كاذب بثّته تنظيمات الإخوان، ولا سيما حركة حماس في السنوات الأخيرة، وبتأكيد علاقتها بالكيان الصهيوني وشراكتها معه، تختار تركيا أردوغان موقعها الفعلي، وتنهي التباسا سياسيا، صاحبته أوهام كثيفة خلال السنوات الأخيرة.
العقلانية في التعامل مع القضايا الإقليمية المعقدة والشائكة لا يمكن بلوغها سوى بقوة التوازنات القاهرة، التي تكسر جدران العنجهية والتشوّف، وترسي قاعدة واقعية لتجاوز الحواجز المانعة والمعطّلة للتسويات التاريخية، ولا سيما في مناطق تختلط فيها وتصطرع هويات قومية متعدّدة على مجاري الصراع العالمي الهادر، بحيث تتّسع ميادين الاستثمار والتوظيف وتتشعّب.
لقد أظهرت الجاليات الأرمنية الشقيقة في سورية ولبنان والعراق قابلية عالية للاندماج والتمثّل، وقدمت شهداء من صفوف جيوشنا الوطنية خلال معارك وجودية متلاحقة، وهو ما يعمد شراكة المصير والتطلّع المستقبلي، وقدّمت تضحيات وشهداء في معارك بلداننا الاستقلالية وآخرها المعركة ضد الإرهاب التكفيري.
الجاليات الأرمنية المندمجة، هي زاد حضاري يثري التجربة الإنسانية، كما يضاعف المردود الحاصل لبلداننا في شتى المجالات. لكن ذلك لا يغفل حقيقة مؤلمة في ذاكرة الشرق، هي تلك المذابح الجماعية، التي ارتكبت بالتزامن مع بدء حملة الهجرة والاستيطان في فلسطين.
كانت بعض أدبيات صهيون تقترح اعتماد أرمينيا قبل أن يقع الخيار على فلسطين في دوائر التخطيط الاستعماري البريطاني الفرنسي، التي رسمت خريطة سايكس بيكو المشؤومة، وما أورثت من تقسيم وتفتيت وحروب.
مساهمة الأشقاء الأرمن في بلداننا تقيم جسور شراكة وأخوة عابرة للبلدان، وتوسّع فرص البناء والنمو، وتضحيات الأشقاء الأرمن، هي مدعاة اعتزاز لبلدان المشرق وخميرة تقدم وتطور ورصيد مواطنة وأخوة متواصلة ومتجددة، تغني حياتنا حضاريا واقتصاديا وثقافيا.