الشراكة التركية – الصهيونية أقوى من الخداع
غالب قنديل
لا يشعر أردوغان وحزبه بالحرج من خطوات تطوير الشراكة وتوطيدها مع الكيان الصهيوني، رغم استمراره في ممارسة خداع لفظيّ عن الموقف من قضية فلسطين أسوة بحكومات عربية عديدة في فلك السيطرة الأميركية، تسابقت على عقد اتفاقات اعتراف وشراكة مع الدولة العبرية.
وجد العثماني الجديد غطاء يعيده الى حضن صهيون، ليستكمل معالم وأبعاد دوره الوظيفي الرديف ضمن منظومة الهيمنة الاستعمارية الغربية على المنطقة وفيها. وقد تحولت قضية فلسطين الى شعارات جوفاء ومادة مجاملة برّانية، لا تملي التزامات جدية عند معظم الدول العربية، التي تتسابق على زيارة تل أبيب ونبادل التمثيل مع العدو.
تعقيم المفردات والتعبيرات السياسية والإعلامية من رسوبات العداء للصهيونية، بحيث باتت الخطب السياسية والإعلامية أقرب وأميل للوصف الكاريكاتيري التراجيدي عن “الشقيقة اسرائيل” في مشهد مثير للقرف والاشمئزاز.
في هذا المناخ العربي والفلسطيني الرسمي البائس، تلقي الأردوغانية قناعها وانتحالها لتبنّي قضية فلسطين، لتعزّز ارتباطها وتعاونها الوثيق مع الكيان الصهيوني بكل فجور. والغطاء الأعمق والأخطر، هو السوابق العربية والفلسطينية، التي جعلت هذا النوع من العلاقات بديهيا، فلا يثير الاستنكار، ولا يستولد ردّ فعل أو سخطا شعبيا يحرج الحكومات، ويدفعها الى اتخاذ مواقف اعتراضية وتدابير لحفظ ماء الوجه.
إن احتراق الخطب الدجالة وافتضاحها، كما اندثارها، يبقى أمرا نافعا، ولو لم يكن وراء القصد العامد والتدبير المسبق، لأي جهة كانت، فإن اندفاع الاستقطاب والفرز الى أقصى مداه واحتمالاته، هو من محاسن التحولات والتأثيرات، التي تقود مخاضا ثوريا. لا بدّ وأن يبلغ مداه، ويطابق تعبيراته الأصيلة سياسيا ونضالية على رماد جثامين خيانة وانتهازية.
تركيا العثمانية الجديدة ترتدّ أطلسية صهيونية بمعونة فريق الخيانة العربي الفلسطيني، ويسقط القناع في وحول انكشاف وافتضاح سافر، وهو يغرق في الحيرة طوابير المخدوعين، وتتهاوى أوهام كثيرة شاعت بعد صعود التجربة الإخوانية في تركيا وتداعياتها العربية والفلسطينية.
التطور الطبيعي يظهر ويؤكد سقوط الوهم، بعدما تغطّت العثمانية الإخوانية بصكوك، فضحتها ورطة المذابح والجرائم والحرائق، التي اقتُرفت بحق سورية وشعبها ومقدراتها، بينما انكشفت أطماع جرى استعمالها في تبرير خطوات الأردوغانية بأشراف الأميركي، وفي خدمة خططه ومشاريعه الاستعمارية المشؤومة اللصيقة عضويا بالخطط والأطماع الصهيونية.
لسنا في وارد بثّ كراهية ضد تركيا، فنحن في الشرق العربي معنيون بالحرص على مدّ الجسور للجوار لا تقطيعها ولا نطالب تركيا بأن تكون أشدّ صلابة من القيادة الفلسطينية في موقفها السياسي، ونعرف من خبرة التجارب كيف أطلق النهوض الفلسطيني المقاوم موجة من التحولات والتداعيات السياسية، التي قطعت السبل بالكيان الصهيوني في المحافل الدولية، وعزلته كحالة موبوءة ومدانة بوسم الاحتلال والعدوان المشين.
لكن موجة التطبيع والاعتراف الفلسطيني والعربي وهبت الكيان الغاصب صكوك براءة زائفة، ضاعفت الوقاحة، وزادتها صلافة والبديهي أن تلحق تركيا بهذا الركب، وهي مدانة معه ومثله بالجمع والمفرد. والأكيد أن المقاومة سوف تتكفّل بتغيير التوازنات والمعادلات، وتقلب المشهد بنهضة تحررية، يتوسّل الجميع اقترابا منها وانتسابا اليها، وذلك هو درس فلسطين التاريخي وعبرة نهضتها.
نختم بدعوة محور المقاومة لمبادرات تفهم اسطنبول أن دعستها الناقصة مكلفة. وهنا نعتبر أن الشقيقة إيران هي المعنية الأولى بدعوتنا، فسورية والعراق مستغرقتان في استنزاف الحروب والتدخلات، التي تشارك في ارتكابها الانكشارية الأردوغانية، ولكل منهما معركتها الوطنية الخاصة ضد العدوانية التركية على أراضيها، بينما تملك الجمهورية الإسلامية القدرة وحرية الحركة، التي ستفرض تغييرا في السلوك التركي إن أقدمت طهران وحزمت أمرها لتغيير هذا البعد في الظروف الإقليمية والتوازنات الناشئة عنها.