انتفاضة متجدّدة تنعش المقاومة وتخنق عار التعامل
غالب قنديل
يستمر الكيان الصهيوني في حالة قلق هستيري، وخلف نفير عسكري واستخباراتي يتخفّى جبروت متصدّع ومتهتّك، يترنح أمام هبّات شعبية تنذر بالتحوّل الى انتفاضة شاملة، تعتمل في قلبها إرادة تحرّرية معمّدة بخبراتٍ وموجاتِ وعي، تعاقبت في بثّها نخبٌ وطلائعُ وطنية، بذرت ورعت انتشار التمرّد وتجذّر الإرادة المقاومة في صفوف الشعب الفلسطيني.
موجات وفصول من المبادرات الثورية الشجاعة، تتلاقى في رحابها حالات التنظيم بالعفوية في ملاحم وميادين، تحيل الأرض جحيما مشتعلا بالنيران، يحرق الغزاة الغاصبين. وهكذا ينفتّح مسار جديد في تطوّر حركة المقاومة، يعصى على محاولات التخريب والتدجين ورسم السقوف الوهمية.
انهارت تلك الأوهام والرهانات، التي خنقت فكرة المقاومة وأجهضت مسار تشكّل الوعي التحرّري لسنوات، كما أحيت وحشا بيروقراطيا متضخّما، جثم على القضية حتى خنقها، وباع واشترى بجثمانها اعترافات وتشريفات في صفقات النخاسة ونعوش التصفية وصكوك الاعتراف بالكيان الغاصب.
أيّ مهزلة سخيفة، بل أيّ فضيحة وأيّ عار للسلطة الفلسطينية، أن يحمل أبطال العمليات وسم الاعتقال في سجونها المتمّمة لهياكل، يرعاها المحتل ويحميها!. وقد حملت بذرة الخيانة من منشئها، بالاعتراف والتعامل تحت عنوان التنسيق الأمني، وجوهره استتباع وظيفي للمحتلّ، جعل السلطة في موقع حراسة أمن الغاصبين.
فالأخبار المتلاحقة من الأرض المحتلة فيها ما يشرّف وما يشين في آن معا، بشواهد بطولات وخيانات متجاورة، بالتزامن والتعاقب. ويكفي أن تشهد الروايات الصحافية لحقيقة العمليات البطولية ومنفّذيها، الذين كانوا في سجون السلطة. جريمة شائنة أن تتحوّل مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية الى بؤر، تنتشر فيها الأقبية والسجون المكرّسة.
في جميع الحروب الوطنية، عبر التاريخ، تحوّلت المناطق التي يسيطر عليها الوطنيون إلى معاقل وقواعد انطلاق لاستكمال التحرير، بفعل قتالي منظّم. وقد أرست نظريات الحرب الشعبية وتجاربها المعاصرة نماذج متعدّدة متمايزة، طالما تكنّى بها إعلام الفصائل الوطنية الفلسطينية بجميع مشاربه العقائدية الوطنية والإسلامية.
في المنطقة العربية، كانت تجربة حزب الله في لبنان ولا تزال نموذجا ملهما، يستحق الدراسة بدافع استخلاص العبر. والحزب الى اليوم يمارس نهجا شديد المرونة والتواضع في الداخل، بمقدار حزمه الوطني من موقع تنظيم منهجي للأولويات. وقد راكم في التجارب مراسا وخبرات، يعيد تثميرها بإبداع يراعي خصوصيات الميادين والقضايا.
التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال يتربّص بكلّ بذرة فدائية في الضفة. ومرويات الصحف تؤلم كلّ وطني، وتفضح التنسيق وفعله المشبوه بعار تواطؤ خسيس. وما تناقلته التقارير يمثّل فضيحة قذرة يندى لها الجبين.
نجح الفدائي البطل خلدون البرغوثي في الهروب من سجن بيتونيا التابع لأمن السلطة، وبعد ساعات كانت قوات العدو الغاصب تقتحم بلدته ومنزله، لتعتقله مع أبنه وأحد رفاقه، وأَتبَعت ذلك بحملة اعتقالات طالت عددا من المناضلين، بعد مواجهات شهدتها شوارع البلدة.
اللافت أن هذا البطش الصهيوني المشفوع بالخيانات حرّك مواجهات قتالية، فجرتها المقاومة على الأرض. وقد شارك فيها عشرات الشباب، الذين سطّروا بطولات مشهودة وجادوا بمزيد من الدماء والأرواح. وتحوّلت الشوارع الى ساحات كرّ وفرّ، ظهر فيها الخبل والعجز على عسكر العدو، الذين زادت بينهم حوادث التصادم، نتيجة الذعر في دورة انقلاب الصورة لصالح المقاومة وأبطالها الشجعان.