من يكسر التردّد ويتحدّى المنع الأميركي يُنهِض لبنان
غالب قنديل
نلاحق العروض المتتابعة الواردة من روسيا والصين ومن الشقيقة إيران، ونشعر بخيبة وحسرة ومرارة وانكسار. لن يحبطنا أو يدفعنا للنكوص، نتيجة نجاح تماسيح النظام العميق في المنع والتعطيل، وتفاخرهم باستدرار حقن انعاش مؤقتة، تزيد البلد اعتلالا، وما دخل صندوق النقد بلدا إلا وأعدمه العافية، وزاد من ارتهانه، وعرقل نموّه وتطوّره، كما زاد من علله، ورسم حدودا وسقوفا لتطوّره، تؤبّد التبعية وتكرّسها، وتعمّق تشوهاتها المزمنة حتى يقين الخراب.
إن التصدي للواقع الراهن، يستدعي نهوض لبنان بالتسارع الذي تقتضيه أحوال العيش المتهالكة عند حفافٍ خطرة، ورفع معدلات القدرة الشرائية المتداعية، التي ترمّمها عطاءات وهبات لدوافع، منها السياسي النفعي، ومنها النزيه المخلص في نبل المقاصد والدوافع المجردة عن التسخير والتجيير السياسي والانتخابي، لكنّ الحياة الكريمة لا تستقيم على هذا المنوال.
بصراحة، نؤكد اقتناعنا بعدم جواز الخشية من الاشتباك مع محنَّطي الصالونات والسفارات وديناصورات العمالة في اقتحام السدود، وفتح بوابات الشراكة مع الشرق، وقرع جرس السباق في سخاء العروض، وإن جاءنا أيٌّ من دول الغرب بما يضاهي ما عرضته الشقيقة ايران بالليرة اللبنانية، سنشكره ونجدّد شكرنا للشقيق الذي قرع جرسا وفتح بابا، ونحيّي السلطات اللبنانية، التي استجابت للفرصة.
نعرف عن الرئيس ميشال عون وطنية صلبة نثق بها، ونعرف استعداده لفعل كل ما يلزم من أجل شعبه وبلده، كما نعرف تلك الوطنية بالحرارة المميزة عند الرئيس نبيه بري، وهو الريادي في فعل المقاومة ورفع راية الدفاع عن الفقراء والمحرومين، وداعية الوحدة الوطنية، التي حرستها أمل بدماء شبابها وأرواحهم.
نتطلّع إلى فخامة الرئيس ودولة الرئيس، وننشد منهما مبادرة وطنية لقيادة مسار جديد في الحياة الوطنية، يعطي فرصة لشراكات الشرق دون إدارة الظهر للغرب، وهما سيجدان من قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله، وخلفه سائر الوطنيين في البلد، كلّ المؤازرة والمساندة. وسيد المقاومة هو المعين الحاسم برصيده وبوزنه وهيبته ذات البعد العابر للحدود والمسافات.
السؤال الذي يلحّ علينا، هو ما المانع من عقد مؤتمر وطنيّ في قصر الرئاسة، يحضره قادة الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية، لمناقشة سبل الخروج من المأزق الخطير، وتحويل التوصيات لخطة عمل، تتبناها وتنفذها أول حكومة تُشكَّل بعد الانتخابات، لتشقَّ مسار الإنقاذ والنهوض، وتدشِّن مرحلة نوعية من التعافي والنمو في جميع المجالات.
مبادرة نتمنى التجاوب معها، والعائد سيكون نوعيا مميزا، بل نرتقب للخطوات التي نقترحها نتائج مبهرة ونوعية على صعيد النمو والتعافي، بما يتخطّى، حكما، حدود التصدّي للكارثة بمسكنات وقف الآلام المبرحة كمن يكتم أنفاس المتألم لوقف صراخه بدلا من معالجته بصورة جذرية، وتشوّهات بعض المسكنات أخطر أحيانا من ندوب الجراحة وآلامها.
نقول لسائر أبناء شعبنا وسياسيينا: لا تهابوا جسارة الإقدام تحت وطأة الترهيب والتخويف الغربي الحارس لقيود استعباد، لا تليق بوطن المقاومة وبمهد الأبجدية الأولى. وقد آن لنا ردم الفجوة، وانهاء الانفصام الخطير. فلبنان جدير بالتعافي والازدهار، وسيكون منارة مشعّة حضاريا بنموذج يُقتدى في التغلّب على أخطر كارثة اقتصادية، فرضها الغرب، وتسبّب بها للنيل من إرادة شعب ومستقبل وطن.
لتكن نهضتنا بعد الكارثة نموذجا جديدا لقيامة الدول وعمرانها بإرادة استقلالية تحرّرية، وبشراكات أخوية منتجة وصداقات راسخة وعميقة، توفّر أمثولة في الأخوة الشرقية ومزاياها، وتُفهِم الغرب قيمة الندية والتكافؤ في العلاقات بين الدول والشعوب.