اليمن: السعوديّة تسلّم الأميركيّ السلطة
ناصر قنديل
– لم تستطع السعودية الذهاب الى الخيار الأمثل لوقف الحرب في اليمن عبر إعلان انتهاء عمليتها العسكرية التي بدأت قبل سبع سنوات ولم تنجح في تحقيق أيّ من أهدافها، بل زادت التعقيدات التي كانت عشية بدئها تعقيداً وتجذراً، فلم يكن يومها العمق السعودي تحت التهديد، ولا كان بمستطاع اليمن أن يفرض شراكته في أمن إمدادات الطاقة والملاحة في الخليج، ولا كانت مهابة السعودية كقوة إقليمية كبرى موضع تشكيك، وتعمق الجرح الموروث تاريخياً بين اليمنيين والسعوديين بصورة يصعب أن يعالجه الزمن، مع عشرات الآلاف من الشهداء ومئات آلاف الجرحى وملايين المهجرين والجياع، ولم يفد السعودية حشد حلف ضمّ الإمارات والسودان عملياً، وآخرين اسمياً، ولا الرعاية التسليحية واللوجستية والاستخبارية وأحياناً كثيرة العملياتيّة لأميركا وبريطانيا و”إسرائيل”.
– وقف العدوان وفك الحصار كان شعار أنصار الله للبحث بأي حل سياسيّ، ورغم ذلك تجاوبوا مع الإعلان عن وقف الغارات من جهة والفتح الجزئي لمطار صنعاء وميناء الحديدة من جهة موازية، رغم عدم وضوحهما كإطار لفتح باب الحل السياسيّ، ولم تستطع السعوديّة الذهاب الى المطلوب مباشرة، رغم قراءة السعودية لتغير المشهدين الدولي والإقليمي، بصورة تجعل الاستمرار بالحرب مستحيلاً، وسبباً للمزيد من الخسائر، فلا الأميركي جاهز ولا هو حاضر أو قادر على تقديم المساندة في ظل همومه المتعاظمة، وصعود روسيا والصين لم يعد فرضية محتملة بل صار واقعاً غير قابل للإنكار، تبدو الحاجة لعدم استفزازه سياسة لا بد منها بمقدار من التوازن، والإسرائيلي في وضع لا يُحسَد عليه، وقد تبخر وهم الحديث عن (“إسرائيل” ليست عدواً بل حليف محتمل)، وتبخّرت صفقة القرن، وتبخّر التطبيع، و”إسرائيل” جحش أعرج وليست حصاناً يُسرَج عليه. و”إسرائيل” تحت ضربات الفلسطينيين تحتاج من يعينها، وليست في وضع يتيح لها تقديم العون، ومَن طبّع معها ومنحها امتيازات وموطأ قدم في بلاده، يستشعر بأنه جلب الدب الى كرمه، وفتح الباب لتهديد استقراره دون مقابل، وعلى الضفة المقابلة يبدو المحور الذي كانت الحرب أداة لتحجيم حضوره، وهو يتعاظم، والأميركي ينفتح على مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لبلوغ الاتفاق مجدداً، والأموال المجمّدة يفرج عنها تباعاً، والعودة للطلب على النفط الإيراني رغم العقوبات تضاهي ما كانت عليه قبلها، وما تمّ تدبيره في العراق أو ما خطّط له في لبنان يصطدم بالجدار. وفي فلسطين تنهض المقاومة بمعادلات ردع في قلب الأراضي المحتلة عام 48، ومعادلات اليمن الرادعة من جهة وصمود اليمنيّين في جغرافيا بلدهم من جهة موازية يجعلان الخروج من الحرب بأقل الخسائر خياراً وحيداً ممكناً.
– ذهب السعوديّون الى خيار الباب الموارب، ففتحوا الباب لوقف النار والرفع الجزئيّ للحصار، واستداروا نحو تركيبة السلطة اليمنيّة، فأزاحوا “الشرعية” التي قالوا إنهم دخلوا الحرب لحمايتها، وسلموا رجل المخابرات الأميركية منذ عهد الرئيس علي عبد الله صالح مقاليد السلطة، وجمعوا حوله زعماء الميليشيات التي تقاتل معهم، بمن فيهم التشكيلات المنتمية إلى فكر تنظيم القاعدة وحزب الإخوان المسلمين، وأسموهم جميعاً مجلساً قيادياً مؤقتاً بصلاحيات رئاسية كاملة، وقالوا إن مهمة المجلس التوصل الى وقف للنار مع أنصار الله، وقال أركان المجلس الجديد إنهم يستعدّون للحرب والسلم معاً، لكن جوهر الخطوة السعوديّة في مكان آخر. فالرياض تقول لواشنطن، ها هي عدة الشغل في اليمن، وعلى رأسهم رجلكم فيه فتولوا أنتم القيادة، وخذوا القرارات التي تريدونها. فالسعودية لم تعد هي مرجعية الحرب، وتريد لوقف النار أن يمتدّ، لكنها غير قادرة على تقديم الأثمان التي يستدعيها ذلك.
– المأزق هو نفسه سواء تسلّم الأميركي ام السعودي دفة القيادة العلنية. فالقرار بيد الأميركي بالأصل مهما كانت الواجهة، وأنصار الله لن ينشغلوا بالتفاصيل، بين الأصيل والوكيل، وبوصلتهم لن تتوه، فقضيتهم واضحة، سيادة كاملة ورفع كامل للحصار وانسحاب للقوات الأجنبية ينهي الاحتلال، طريق وحيد لفتح باب الحوار السياسي الداخلي حول تفاصيل إدارة شؤون الحكم والاحتكام في تكوين السلطة الجديدة إلى صناديق الاقتراع.