روسيا وإيران وردع العربدة التركية في سورية
غالب قنديل
يستمر التطاول التركي عسكريا وسياسيا في سورية، مدفوعا بغطرسة عثمانية، تنبعث من بين السطور في البيانات والتصريحات، وبتحركات ميدانية تحمل “جلافة” انكشارية مستفزّة، وابتزازا يفيض نذالة اتجاه دولة جارة، تعاملت بإخلاص مع أصول الجوار، وسعت الى شراكات راقية، أعطتها فرص الرعاية والتسهيل طيلة سنوات، وردّت عليها الانكشارية العثمانية بسكاكين الغدر والتآمر.
تصرفات حكومة أردوغان تتحرّك وتستمر بناء على الأمر الأميركي، وهي تجسّده في استهداف سورية ومحاولة تخريبها والحاق الأذى بدولتها وشعبها، وإن تبدّت تلك الاعتداءات أو غُلّفت في الظاهر بأطماع إقليمية مستنكِرة، فهي تخرق كلّ حقّ أو عرف، وتنقض أصول الجوار ومنطق التعامل الطبيعي بين الدول المتجاورة في أي منطقة من العالم. ويكفي الانكشارية العثمانية أن تكون في سورية، على فكّ كمّاشة، قرينة العدوانية الصهيونية بالتواتر والتزامن.
إن أخطر العيوب المحيطة بالمشهد الإقليمي حول سورية، هو استمرار صمت حليفي سورية الكبيرين روسيا وايران على الاعتداءات والممارسات التركية المتغطرسة المستفزّة. ففي التعامل الروسي والإيراني مسايرة غير مناسبة سياسيا وأخلاقيا، بما ترتّبه من نتائج ضارة، ترتدّ بالنهاية في إطالة أمد النزيف السوري، الذي سيعني مزيدا من الكلفة والتبعات، التي يتحمّلها الشقيق الإيراني والصديق الروسي.
بقدر ما يُفترض أن طهران وموسكو كانتا تخشيان كلفة الاختلاف مع تركيا، فهما تتكبدّان كلفة لا تقلّ عنها، نتيجة دوام النزيف السوري، الذي يعوق تعافي الدولة السورية الحليفة، وعودة ديناميتها السياسية والاقتصادية ودورها، الذي خبر جميع الشركاء فيضه ومنافعه طيلة العقود المنصرمة. وبالتأكيد نحن لا نقترح على موسكو وطهران حربا إضافية ضد تركيا لوقف العدوان على سورية.
رغم مشروعية التدبير الممكن، الذي يكلّف موسكو وطهران إنذارا مشتركا لأنقرة، ففي مستطاع الحلفاء الروس وشركاء محور المقاومة، وخصوصا الأخوة الإيرانيين، استخدام الوسائل السياسية والدبلوماسية لردع تركيا الحريصة على عدم قطع خطوط الشراكة والتنسيق مع كلّ منهما، لاعتبارات اقتصادية وسياسية متعدّدة وقاهرة.
إن ميزان العوائد والأكلاف يفترض الإقدام الروسي والإيراني على اتخاذ خطوة حاسمة، تشقّ مسارا جديدا في سورية، تقرّبها من خطّ النهاية، وتوقف هذه الدوامة، كما تفتح طريق تفكيك الميليشيات الوكيلة المستحدثة في بعض المناطق على حساب الجيش العربي السوري والدولة الوطنية السورية.
يفترض بالحلفاء النظر مبدئيا إلى الأمر حتى لو تبدّت بعض الميليشيات المستحدثة، مثل قسد في صُوَر ومواقف أقلّ صلافة وعدائية من سواها من عصابات الحرب، وتلطّت خلف علاقات وخطوط اتصال مواربة بروسيا أو ايران أو بالدولة الوطنية السورية، التي يحمل الحلفاء مسؤولية أخلاقية عن مؤازرتها بجميع الوسائل، لاسترجاع هيبتها ومرجعتيها، بعدما تحمّلت تبعات الدفاع عن المنطقة بجميع دولها وشعوبها.
نأمل بناءً على ما تقدم في انطلاق تحرّكات روسية وإيرانية عاجلة لمعالجة الأمر، كما نتطلّع إلى مبادرة لقيادة المقاومة اللبنانية، يمكن أن تسهم في تحريك حوار مباشر للتشاور بين الحلفاء الإيرانيين والروس، وبلورة أجندة تنفيذية، تسوس المبادرات القادرة على وقف النزيف، وانطلاق دورة نهوض سورية، طال انتظارها، ولا تحتمل التماهل من شركاء وحلفاء، قدّموا الكثير، وبادلوا سورية بعضا مما تكبّدته، سابقا ولاحقا، في سبيل المصير المشترك والمبادئ والقيم، التي كانت في طليعة المدافعين عنها.