المأزق الصهيوني يتفاقم ونتائج نوعية للنهضة الفدائية
غالب قنديل
التفاعلات والأصداء التي خلّفتها العمليات الفدائية الفلسطينية على صعيد الكيان الصهيوني ومؤسسته الأمنية، والعسكرية بالذات، حملت اعترافات واضحة بأصالة التطور الجاري، وانتسابه إلى نسق وسياق جديد نوعيا، ينبئ بتراكمات وتحولات تشقّ مسارا جديدا للنضال التحرّري الفلسطيني المقاوم
ما يعزّز تضعضع العدو ومؤسسته العسكرية الأمنية والسياسية عمق وأصالة التحول، الذي تنبئ به العمليات الفدائية المتلاحقة، التي تطلق فصلا جديدا بالكامل من سيرة المقاومة الفلسطينية، التي لم تنقطع منذ النكبة. وهذا البعد بالذات يتحكّم باحتمالات المستقبل، ويدفع بأكثر السيناريوات تشاؤما في سائر الدوائر الصهيونية المرعوبة من تبلور حالة مقاومة قابلة للنمو والتطور، وحيث يقود الحساب المنطقي الى هذا الاستنتاج، الذي لا يملك العدو القدرة على قطع سياقاته وتفاعلاته.
الأصداء التي أظهرتها مقالات رئيسية في الصحف الصهيونية، تشير الى ارتباك وتشاؤم نتيجة العجز والشلل أمام تحول خارج السيطرة والتحكّم، تقوده حركة مقاومة جديدة، تختزن تراكم وعي وخبرات في سياق يصعب قطعه أو التأثير عليه، وهو ينذر بخطر زلزالي على الكيان، لدرجة حفّزت كتّاب المقالات الرئيسية في بعض الصحف على استعمال تعابير يائسة حول مدى قدرة الكيان على البقاء والاستمرار، ما فاضت به فقرة بارزة من مقالة آري شبيط في هآرتس: “لا طعم للعيش في هذه البلاد، وليس هناك طعم للكتابة في “هآرتس”، ولا طعم لقراءة “هآرتس”.
وقد انتهى الى القول: “يجب فعل ما اقترحه (روغل ألفر) قبل عامين، وهو مغادرة البلاد. إذا كانت “الإسرائيلية” واليهودية ليستا عاملاً حيوياً في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبي لدى كل مواطن “إسرائيلي”، ليس فقط بالمعنى التقني، بل بالمعنى النفسي أيضاً، فقد انتهى الأمر. “يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس”.
العمليات الفدائية سوف تستمر وتتواصل في مسار متصاعد، لا يملك العدو القدرة على قطعه، لأنها ثمرة تحول أصيل، ولأن الحركة الفدائية المقاتلة تنبعث بأجيالها الجديدة على ركام التجارب السابقة وخبراتها ودروسها، التي تراكمت في صفوف النخب الوطنية الفلسطينية المتوثّبة، والتي ستجود بالمزيد من المناضلين والقادة المبدعين، الذين يغرفون من ميراث العمل الفدائي وخبراته الغنية والمتاحة بما كتب أو حفظ بالتناقل. ومع توافر أنوية طلائعية منظّمة قابلة للنمو والتوسّع في روافد المقاومة الجديدة، نرتقب عهدا جديدا واعدا من النضال الثوري الفلسطيني، الذي لا يعرف المساومة والخنوع، ولا ينشد سوى التحرير الكامل.
لقد أجمع القادة الصهاينة، في الحكومة والمعارضة على السواء، على وصْف المشهد الأمني في أعقاب العمليات الثلاث التي أدّت إلى مقتل 11 صهيونيا خلال أسبوع، بأنه الأشدّ قسوة وإيلاماً منذ سنوات، فيما أظهرت الإجراءات والقرارات السياسية والأمنية المُتّخذة عقب تلك العمليات، هشاشة الأمن الصهيوني، وهو ما أنبأ به، مثلاً، توجيه رؤساء البلديات للمستوطنين لأخذ الحذر، في إقرار ضمني بإمكانية تحوّل أيّ مدينة محتلة إلى ساحة، يتجوّل فيها مقاوم بسلاحه.
خابت التوقّعات الصهيونية بعد العملية الأولى. وإثر العملية الثانية في الخضيرة، تصاعَد منسوب الخوف والرعب، خصوصاً أن المنفّذ استخدم فيها أسلحة نارية، وكان يمكن أن يوقع خسائر أكبر. وممّا ضاعف الخشية الصهيونية، هو تحدّر المنفّذين من الأراضي المحتلّة عام 1948، بعدما كان هذا الاحتمال في أسفل سلّم الترجيحات، وغالبا بنيت الحسابات الصهيونية على افتراض تنفيذ هجمات، يشنها قادمون من شتات اللجوء الفلسطيني.
لم تمضِ أيّام قليلة، حتى جاءت عملية «بني براك»، ليدرك القادة الصهاينة في هذه اللحظة أنهم في ذروة موجة قاتلة من العمليات، وفق ما أقرّ به رئيس وزراء العدو نفتالي بينت. وقد استرجع العدو كابوس الانتفاضة الثانية، مع توقّع أن يتواصل ذلك المسلسل ويتفاقم، الأمر الذي دفع جيش العدو إلى اتّخاذ قرار بإسناد الشرطة الصهيونية بمزيد من الكتائب العسكرية من جيش الاحتلال.
تنفتح أبواب الاشتباك على مصراعيها، وسوف تتجدّد المواجهات بتواتر محتوم بين الهبّات الشعبية والعمليات الفدائية النوعية، التي سوف تتعاظم وتتغذّى من رجع الصدى السياسي والمعنوي، الذي سيرفدها بمجموعات وأفراد يتلمّسون السبل الى الانخراط في الكفاح الثوري.