من الصحافة الاسرائيلية
مع انفضاض قمة النقب التي جمعت وزراء خارجية عربا والاحتلال وأمريكا، بدأت تخرج التسريبات الإسرائيلية عما شهدته من نقاشات لم تجد طريقها إلى بيانات الصحافة الختامية، ربما لخطورتها وسريتها، لكن من أهمها اتخاذ إجراءات غير مسبوقة لتعزيز التعاون العملياتي بين القوات الجوية المجاورة التي تعيش دولها في تطبيع مع إسرائيل.
في الوقت ذاته، هدفت قمة النقب الأخيرة لتعزيز ما تسميه دولة الاحتلال “مظلة الدفاع الإقليمية في الشرق الأوسط ضد إيران”، بزعم أن ابتسامات قمة وزراء الخارجية في مؤتمرهم الصحفي وقف خلفها تطور تحالف دفاعي إقليمي غير مسبوق بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية التابعة للدول المطبعة في الشرق الأوسط، بما في ذلك التدريبات المشتركة، وهي الأولى من نوعها لمواجهة مختلف التهديدات، لا سيما إيران ومبعوثوها، التي قد تأتي من اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
يوآف زيتون، الخبير العسكري ذكر في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت أن “الخطة المتوافق عليها بين إسرائيل والدول العربية المطبعة معها تدفع باتجاه إشراك سلاح الجو بالتوازي مع تطور العلاقات السياسية، تمهيدا لإنتاج شرق أوسط متجدد، من خلال القيام بأنشطة كانت حتى سنوات قليلة ماضية تعتبر خيالًا علميًا، بين مختلف القوات المسلحة العربية والجيش الإسرائيلي، انطلاقا من رغبة الجيش الإسرائيلي بدعم اتفاقيات التطبيع كمصلحة أمنية رئيسية”.
وأضاف أن “الجيش الإسرائيلي لا يعارض تسليح الجيوش المجاورة التي يوجد معها اتفاق سلام وتطبيع، من خلال حصولها على أسراب مقاتلة أمريكية أكثر تقدمًا، أما بالنسبة لمعظم الأنشطة العسكرية المشتركة، فتفرض إسرائيل جانبا من السرية الكاملة حتى لا تحرج الشركاء في هذا التحالف الناشئ، رغم أنها تتضمن في جزء منها لفتات شخصية بين كبار ضباط القوات الجوية المجاورة ونظرائهم في إسرائيل”.
تزعم الأوساط العسكرية الإسرائيلية أن المصلحة المشتركة الرئيسية للطرفين من هذا التحالف العسكري الناشئ هي وقف برنامج طهران النووي، لكن القلق الأكثر إلحاحًا وخطورة لدى دولة الاحتلال وحلفائها العرب يتعلق بانتشار عمليات الحرس الثوري، ويشمل الهجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ كروز كل شهر تقريبًا ضد أهداف سعودية وإماراتية من قبل مستفيدين من الدعم الإيراني، بما في ذلك الحوثيون في اليمن، وكان آخرها هجمات شهدتها السعودية والإمارات.
يحصي الإسرائيليون في الأيام الأخيرة تلاحق العمليات الفدائية التي نفذها فلسطينيون في مدن الداخل المحتل، التي بدأت في بئر السبع جنوبا، مرورا بالخضيرة شمالا، وصولا إلى تل أبيب في الوسطـ، ما جعل آذار/ مارس 2022 أصعب ما حدث لدولة الاحتلال خلال السنوات الأخيرة، ويعيد إلى أذهانهم ما أطلقوا عليه “مارس الأسود” في 1996، إبان انطلاق العمليات الاستشهادية خلال الانتقام لاغتيال المهندس يحيي عياش.
يتحدث الإسرائيليون عما أسموه “مسيرة دموية” من خلال هجمات إطلاق النار التي انضمت إلى تسع هجمات أخرى وقعت هذا الشهر، قُتل فيها 11 إسرائيليًا، ليصبح الشهر الأكثر دموية في السنوات الأخيرة.
أليشع بن كيمون المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، ذكر في تقرير أنه “لا يوجد حل سحري لتقليد العمليات المسلحة، فقد مضى وقت طويل جدا منذ أن شهدنا هجمات فدائية في قلب المدن الإسرائيلية، وأثبت الأسبوع الماضي فقدان الخوف لدى المهاجمين الفلسطينيين، ويبقى من الصعب على إسرائيل أن تجبي ثمنًا من العدو عندما لا تعرف كيف تحدده، وربما حان الوقت لفرد بطانية على النار المشتعلة، وعدم صب الوقود عليها”.
وأضاف أن “الهجمات الأخيرة تميزت بفقدان الخوف من جانب المنفذين، وتقليد الهجمات السابقة، والجرأة على العمل في قلب المدن، واستخدام الأسلحة النارية، بعيدا عن أن لديهم خلفية مرتبطة بالمقاومة، أو أنهم ينطلقون من وجود بنية تحتية مادية أو قيادية، أو أنهم حتى متأثرون بما تبثه شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن يكفي ما يستمعون إليه من احتفال بمنفذي الهجمات في غزة وأم الفحم وبلدة يعبد في جنين”.
لا يخفي الإسرائيليون مخاوفهم المتصاعدة من تنامي هذه الهجمات التي لم يشهدوا مثلها في انتفاضة السكاكين 2015-2016، لأن الهجمات الثلاث الأخيرة تذكرهم بالأيام القاسية التي عاشوها في الانتفاضة الثانية، ولهذا السبب أيضًا يجب الاعتراف بأن مثل هذه الموجة ليس لها حل سحري، فلا يوجد عنوان يمكن مهاجمته بقوة، مثل قطاع غزة أو مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، ومن الصعب جدًا تحصيل الثمن المطلوب، فلا توجد روافع ضغط على المقاومة، لأنه من الصعب تحديدها.
صحيح أن جيش الاحتلال قرر على الفور تعزيز قواته في الضفة الغربية بأربع كتائب أخرى، إضافة لأربع كتائب أخرى تمركزت هناك بالفعل بعد هجوم الخضيرة، لكن المهمة الآن باتت ذات شقين: أولهما الاستمرار في السماح لمزيد من الفلسطينيين بالعمل داخل إسرائيل وجلب الأموال، بزعم أن ذلك سيقلل من الدافع للقيام بأعمال معادية، وثانيهما عدم سكب المزيد من الزيت على النار المشتعلة، وليس سرا أن التحدي الإسرائيلي الكبير بإبقاء غزة خارج المعادلة، بعد أن استمر الهدوء فيها عشرة أشهر.
الخلاصة أن ما تعيشه الحكومة الإسرائيلية الحالية من تهديد أمني متصاعد يمثل لها تحدياً لا تخطئه العين، وخاصة أن رئيس الوزراء نفتالي بينيت يواجه ردود فعل غاضبة تقترب أحيانًا من التحريض ضده من قبل الجمهور، بينما يواجه تحالفًا يكاد يكون من المستحيل فيه اتخاذ قرارات دراماتيكية دون تفكيكه.