من الصحافة الاسرائيلية
فاجأت عمليات إطلاق النار والطعن والدهس، خلال الأسبوع الأخير، القيادة السياسية وأجهزة الأمن في إسرائيل. فقد كانت تتوقع تصعيدا أمنيا في القدس أو من قطاع غزة خلال شهر رمضان القريب، لكن هذه العمليات وقعت في قلب مدن إسرائيلية – بئر السبع والخضيرة وبني براك – وقبل حلول شهر رمضان، كما أن منفذي العمليتين الأولتين هم مواطنون في إسرائيل، بينما منفذ العملية الثالثة، في بني براك، جاء من قرية يعبد في منطقة جنين في شمالي الضفة الغربية وبعيدا عن القدس، جغرافيا.
وأشار محللون في الصحف الإسرائيلية اليوم، الأربعاء، إلى أنه لا يوجد أي عنوان لموجة العمليات هذه، حتى الآن على الأقل، كي تجبي إسرائيل ثمنا منه. وبحسب تحقيق أولي بعد عملية أمس في بني براك، فإن المنفذ ضياء حمارشة، من يعبد، قد يكون حصل على السلاح، بندقية أوتوماتيكية من طراز “إم-16″، بعد أن دخل إسرائيل، من أشخاص تعاونوا معه أو أنه اشتراها من جهات جنائية، “لكن بات واضحا أنه لم يعمل لوحده”.
وبحسب محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس”، يوسي فيرتر، فإن وزراء إسرائيليين “تنفسوا الصعداء بصورة نسبية طبعا”، بعد اتضاح هوية المنفذ، وقال أحدهم ساخرا إنه “على الأقل هو ليس واحدا منا”، أي ليس مواطنا في إسرائيل، مثل منفذي عمليتي بئر السبع والخضيرة. “فالإرهاب الفلسطيني أسهل للهضم. رغم أنه يصعب الامتناع عن الشعور بأن الموجة التي تغرق مدن إسرائيل في الأسبوع الأخير، ويبدو أنها البداية وحسب، لم نشهد مثلها من قبل”.
واعتبر فيرتر أن مقتل 11 إسرائيليا في العمليات الثلاث هو “حدث إستراتيجي: أمني ولكنه سياسي أيضا… قبل أسبوع كنا في واقع آخر. لقاءات ’قمة’ متتالية، في تركيا ثم في مصر، وبعدهما قمة النقب. وبدا أن إسرائيل في بداية عهد جديد، شرق أوسط جديد. وكل هذا يبدو الآن معزولا عن الواقع”.
ورأى فيرتر أن مواجهة موجة العمليات سيكون الاختبار الأكبر لرئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت. وتابع أن “حكومة لا تعتبر كحكومة يمين بوضوح بالغ، ستواجه صعوبة دائما في الحلبة العامة مقابل موجات إرهاب. والوحيد الذي نجح في الامتحان وحظي برصيد شعبي واسع، لفترة طويلة، قبل أن يشن عملية ’السور الواقي’ في الضفة الغربية، كان أريئيل شارون. وليس قبل أن يتنبأ بأنه إذا لم يفعل ذلك، سيطرده الجمهور من مكتب رئيس الحكومة ’بالعصي والحجارة’. وبينيت بعيد جدا عن أن يكون (مثل) شارون”.
من جانبه، لفت المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشواع، إلى أن العمليات الثلاث تتميز بفقدان منفذيها الخوف، الجرأة بالعمل داخل المدن وباستخدام سلاح ناري. “وما يربط بينهم، ليس بنية تنظيمية ولا بنية قيادية، وإنما الشبكات الاجتماعية، حيث يتواجد التحريض الذي يغذي المتطرفين ويربط بينهم. وما يغردونه في غزة، يرونه في أم الفحم وقرية يعبد”.
وأضاف أن العمليات الثلاث تُذكر بالانتفاضة الثانية. “وينبغي الاعتراف أن لا حلا سحريا لموجة إرهاب كهذه. لا يوجد عنوان بالإمكان الرد عليه بهجوم شديد، مثل غزة أو مخيمات اللاجئين في المناطق (أي الضفة الغربية). ويصعب جدا جباية ثمن. ولا توجد رافعات ضغط على العدو، لأنه من الصعب تعريفه”.
بحسب المحلل العسكري في “يديعوت”، أليكس فيشمان، فإن جهاز الأمن الإسرائيلي لا يرى أن إسرائيل على عتبة انتفاضة مسلحة من جانب “عرب إسرائيليين مؤيدين لداعش، لكن لا شك في أن ما بدأ كعمليات داخلية تستدرج في أعقابها موجة عمليات مقلدين، من جانب فلسطينيين من المناطق أيضا”.
وأضاف فيشمان أن “الكرة بأيدي إسرائيل الآن: أي خطوة خاطئة، عاطفية ومتسرعة، قد تعيدنا إلى الأيام المظلمة التي وقع فيها عدد لا نهائي من العمليات الانتحارية داخل الأراضي الإسرائيلية. وبذلك تحقق الحركات السلفية وحماس غايتها المركزية، وهي إشعال انتفاضة ثالثة”.
“قمة” في النقب معزولة عن الواقع (أ.ب.)
وحسبه، فإن جهاز الأمن الإسرائيلي لا يعرف كيف يفسر عمليتي بئر السبع والخضيرة. وادعى فيشمان أنه “سُجلت صحوة بين مؤيدي داعش في إسرائيل بعد تصفية الأميركيين لقائد هذا التنظيم، في شباط/فبراير الماضي، لكن هذا لا يفسر اندلاع العنف غير المألوف في الأسبوع الأخير”.
وأشار إلى أن العمليات الثلاث وقعت في فترة رفعت فيها أجهزة الأمن الإسرائيلية حالة الاستنفار في صفوفها، “عشية يوم الأرض وشهر رمضان”. وأضاف أن “هذا العام خصوصا، استعدت إسرائيل قبيل رمضان من خلال سلسلة خطوات غايتها تعقير ثلاثة مراكز اشتعال محتملة، في القدس والسجون والوضع الاقتصادي. وتمت إزالت قسم من القيود في السجون وعلى زيارة الأسرى، التي فرضت بعد فرار الأسرى الستة من سجن الجلبوع. وفي القدس تم تخفيض مستوى الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين، والشيخ جراح لم يعد في عناوين الصحف، وإسرائيل سمحت لأي فلسطيني ليس مفروضا عليه قيودا أمنية بالوصول إلى جبل الهيكل (المسجد الأقصى) خلال رمضان. وفي المجال الاقتصادي، رفعت إسرائيل عدد العمال من غزة في إسرائيل”.
ورغم أن القيود التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين ما زالت واسعة، إلا أن فيشمان اعتبر أن “هذه الخطوات كلها، إضافة إلى تعزيز القوات الإسرائيلية والاعتقالات الوقائية، كان يفترض بها أن تُحدث فترة رمضان هادئة نسبيا قياسا بالسنوات الماضية. كما كان يفترض بزيارة الملك عبد الله الثاني إلى رام الله، وزيارات مسؤولين إسرائيليين إلى الأردن، أن تساعد في تهدئة ميدانية. والآن ستضطر إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت مبادرات النية الحسنة هذه تجاه الفلسطينيين ستستمر، أو العودة إلى الإغلاقات والقيود”.