ليسوا “ذئابا منفردة” بل طليعة نهضة ثورية قادمة
غالب قنديل
يتوجب الشكر والتنويه لسائر الفصائل الفلسطينية التي عفّت عن بيانات التبنّي الاستعراضي أو تصريحات وبلاغات ادعاء صلة أو رابط بمنفذي عمليات الداخل، التي هزّت كيان العدو وزلزلت عقائده الأمنية والعسكرية.
بدا العدو مرتعبا مكابرا، يحاول ستر ارتجافه بعد زلزال أمني وفضيحة استخباراتية نتيجة الهجوم الفدائي الناجح والشجاع، الذي نفذه أبطال فلسطينيون من داخل الأرض المحتلة عام 48، وهزوا به نظريات الأمن الصهيونية ومنظومات متطورة تقنيا واستخباراتيا. وفي الحصيلة صدّعوا هيبة الكيان وأذلّوا العنجهية الصهيونية.
حاول الصهاينة استباق التحولات، التي تعتمل في الداخل الفلسطيني عبر خصي البرعم الثوري وخنقه في الوعي الفلسطيني والعربي بإطلاق اصطلاح الذئاب المنفردة لإضفاء صبغة يائسة على مبادرات طلائعية ثورية شجاعة قابلة للنمو والتطوّر والتوسع عاموديا وأفقيا.
إن تكرار الظاهرة في الطبيعة والمجتمع، يشير علميا الى تحوّل قابل يحكمه قانون التراكم، قابل للنمو والتوسّع، وهذا قانون علمي يبشّر بنهضة فدائية ثورية، تختمر وتنطلق في قلب فلسطين المحتلة، ومن نسغها سوف تنمو وتمتدّ مقاومة فلسطينية جديدة، وفقا لنواميس الطبيعة والسنن التاريخية.
هذه الحالة الكفاحية، هي قابلة وعي ثوري جديد داخل فلسطين، سوف يشعّ في المنطقة، وينشر مناخا جديدا، كما حصل خلال عقود مع أجيال متعاقبة من الفدائيين والثوار، الذين انقضّ عليهم غيلان الاستعمار وعملاؤهم، فأغرقوا العمل الفدائي بمكاسب وامتيازات وتشوّهات، حتى انتهى اختناقا، ولفظ أنفاسه في بئر الخيانة بعد خضوع معظم القيادات والتحاقها بالنظام العربي الرسمي خلف سراب تسوية كانت مصيدة التصفية الناجزة للقضية.
ظلت القضية حية تختلج في صدور وعقول أبناء الأرض المحتلة وفي وجدان شباب يغلي بالرفض والثورة، يشقّ دروبا جديدة للكفاح الوطني الفلسطيني بلا يافطات ومن غير بهارج أو مكاتب أو “برازانات” وتشريفات وألقاب أو رتب.
تعاقُب المبادرات يدلّ على تشكّلٍ موضوعي للظاهرة وعلى أصالة مسارها ومنبتها. والإشارة واجبة إلى أن هجومي الخضيرة وبئر السبع وقعا في قلب فلسطين المحتلة، وتزامُناً مع تراكم اختراقات صهيونية جديدة لطوق المقاطعة العربية تحت الرعاية الأميركية الغربية، وبالشراكة الفاضحة مع الأنظمة التابعة والعميلة، التي تتوزّع بين الفجور والمخاتلة البائسة.
جاهر إعلام العدو بصدمة وذهول مفجعين بعد العملية، التي كشفت تضعضع جيش الاحتلال والشرطة الصهيونية وارتباكهما، فترنّحت الثقة المفرطة، وتصدّعت الغطرسة الطاغية منذ عقود، في حين تعالت التحذيرات الصهيونية من مخاطر تواتر الهجمات الفلسطينية، التي تنسف ادعاءات الأمن الصهيوني ومناعته منذ سنوات طويلة.
الواضح أن حمّى العسكرة الصهيونية ستكون هي السبيل الرئيسي في الاستجابة للتحدّي الفدائيّ القاهر. وقد أظهرت تعليقات الصحف الصهيونية دعوات للمزيد من تسليح المستوطنين الصهاينة، مما سيوجب بالمقابل، تحسّب المقاومين للخطر، وبالأصل، حَفِظ أبناء فلسطين من التجربة أنه لا مدنيين في الدولة العبرية، بل مجمّع استيطاني عسكري مدجّج حتى الأسنان. ورغم ذلك، نشير إلى أن تركيز الفدائيين، أبطال الداخل، على استهداف جنود العدو وضباطه، ينطوي على فطنة وذكاء لافتين في تعيين الهدف، وإتاحة التحكّم بردود الفعل والتداعيات بصورةٍ تفاقم مأزق الكيان.
إنه زمن جديد، وبشائر نهضة تلوح في الأفق، وتفتُّح براعم نضالية واعدة ستَيْنَع ثمارها وتفيض وتنمو معها مقاومة جديدة نقية وثورية على أرض فلسطين. وكما تثبت التجربة، سيعمّ هذا الوهج أرجاء الوطن العربي، وتنهض معه أنوية وحركات ثورية جديدة، تنفض غبار الخيبات والهزائم، وتنبري في الساحات والميادين على عهد التحرّر.