العمل الفدائي الفلسطيني ينهض من الداخل
غالب قنديل
تكفّلت سنوات متلاحقة من الخيبات والتجارب المرّة بإنضاج وعي فلسطينيّ ثوري، وتبلور طليعة مقاتلة من شباب فلسطين، تقود نهضة فدائية واعدة بلا ضجيج أو ادّعاء، وهي تقلب صورة ما سلف، وتجبّ الخيبات التي تراكمت، وأهدرت الكثير في بهارج الأطر المعلّبة واليافطات المنصوبة على الخواء في جحيم الشتات.
إنه التصحيح التاريخي الذي تتقنه الشعوب والطلائع الثورية بلا تعليب أو أدلجة أو دعاية. وحيث تكون الوقائع والإنجازات الظاهرة في الميدان، وعلى جسد العدو ومنظومته العسكرية والأمنية، لا لزوم للدعاية والضجيج والبروباغندا الفارغة ولغوها السخيف.
الوقائع التي تداولتها وسائل الإعلام الصهيونية تكفي بيانا حول بطولة الشباب الفلسطيني، الذين يقتحمون المستحيل، ويسطّرون بدمائهم وأرواحهم صفحات مضيئة، تراكم المزيد من الوعي والثقة في مسار التحرّر الفلسطيني المحتوم والمضرّج بالدماء.
قتيلان وأربعة جرحى من المستوطنين الغاصبين وشهيدان فلسطينيان وحملة اعتقالات شنّها العدو بعد الاشتباك، الذي خلف صدمة وذهولا ورعبا كبيرا داخل الدولة العبرية، وحرّك احتفالات وإشادات في المقلب العربي الفلسطيني.
نكرّر بالمناسبة دعوتنا لفصائل الشتات أن تكتفي بالإشادة والتنويه والتحية، وألّا تحاول الدخول على خطّ ظاهرة ناشئة، نخشى عليها من لوثة النفط والتبقرط والتنفّع، ولم يطوِ النسيان ذكريات مرّة عن مقاولي العمليات، الذين أغرقوا النضال الفلسطيني قبل سنوات، وخلفوا ركام بيانات وادعاءات فارغة وكاذبة، ذهبت أدراج الرياح منثور في غياهب النسيان مع مفبركيها ومنتحليها باسم فلسطين.
يمكن لهذه الظاهرة الجديدة الواعدة أن تنمو وتتوسع ويشتد عودها في مسار تطوّر طبيعي إن ظلّت محصّنة ضد الأمراض، التي فتكت بالمقاومة الفلسطينية منذ عقود، وأورثت خرابا وتشوّهات وانحرافات وأمراضا، كان أخطرها الارتزاق والمقاولة واللصوصية والتنفّع والاستزلام باسم فلسطين.
كانت النتيجة الأخطر لتلك السنوات تربّع الأنظمة الرجعية العربية على منصات المرجعية السياسية لفصائل كبرى، سكبت رصيدا معنويا، راكمه مجد نضال وتضحيات كثيرة في معين ارتهان وتنفّع ضاع فيها الصالح بالطالح، وأهدر المرتزقة بطولات وتضحيات نبيلة، قدمها مناضلون شجعان صادقون باسم فلسطين ولنذر التحرير والعودة، الذي يحفظه الأنقياء في كل مكان.
ثمّة في الواقع الفلسطيني أفراد راكموا خبرات ونضالات مشهودة، تفرّقوا على مدى الأعوام، وانطووا على إحساس راسخ بمرارة الفشل والخيبة. وأيّا كانت مواقعهم، ندعوهم للتواصل في ما بينهم واكتشاف السبل التي يمكن لهم عبرها الانتظام دون عراضات، وتلمّس السبل الممكنة لاحتضان الجنين الثوري وتحصينه وحمايته، لينمو في مناخ صحيّ، وأول الطريق هو التركيز على الجدوى النضالية، وانكار الذات كقيمة عليا، تحصّن التجارب، وتقيها من الترنّح في زمن الوقوع في وحل المنافع، التي اورثت نكبات أجهضت العمل الفدائي، وقتلت روحه خلال عقود.