الاعتراف الأميركي بمثلث الشرق الصاعد روسيا والصين وايران
غالب قنديل
الوثيقة السنوية لمجمع الاستخبارات الأميركية، التي صدرت مؤخرا، حملت في متنها بيانا واقعيا واضحا لمسارات التوازن العالمي، وكشفت بعض محتويات التقرير وفقراته الرئيسية تفاقم الرعب الأميركي من تأثيرات التنامي الكبير في مقدرات الدول الشرقية الصاعدة، ومؤشرات التقدم الاقتصادي والتكنولوجي الذي تحقّقه واقعيا ويكسبها فاعلية مرتفعة ودينامية اقتصادية وتكنولوجية عالية.
لا شك في أن جانبا من وظائف هذا التقرير السنوي الأحدث، تحديد وجهة الصراع والمنافسة، التي تهدد الهيمنة الأميركية وتفرّدها بالسيطرة على مختلف مجالات الحركة الاقتصادية والمالية في العالم، وتبيان المخاطر الناشئة في سياق التطور العالمي، ومستجداته السياسية والاقتصادية المالية والعسكرية، ومسارات تبلور نتائجها ومنعكساتها في الوضع العالمي وخرائط القوة والقدرة.
يضع التقرير عرضا لعناصر القوة الصاعدة اقتصاديا وتقنيا وعسكريا لكلٍّ من روسيا والصين وايران، وفي حاصل رصد دقيق للتحولات والمزايا والإنجازات الكبرى، التي يعترف بتحقيقها في كلّ من الدول الثلاث. وإن كان التقرير محبوكا بأولوية التحدي الصيني، فهو يدرج اعترافات واضحة بالمزايا النوعية، ونقاط التفوق الروسية والإيرانية، التي تثير قلق الإمبراطورية الأميركية.
التواصل والشراكات المتشعّبة بين أقطاب الشرق روسيا والصين وايران، هو مبعث القلق الأميركي والغربي، لأنه يحرك تحولات وتفاعلات كثيرة اقتصادية وسياسية. وما لا يعترف به التقرير هو مزايا الحضارات الشرقية الثلاث، ونقاء تاريخ كل من روسيا وإيران والصين من أي شبهة استعمار واحتلال أو توسّع في العصر الحديث، بل على العكس إن البلدان الثلاثة أقامت شراكات وصداقات، قدمت وبذلت فيها الكثير في سبيل مساعدة الأصدقاء والشركاء.
يوصّف التقرير تنامي الشراكات الروسية الصينية الإيرانية وانعكاساتها ونتائجها القريبة والأبعد مدى، ويعتبرها خطرا رئيسيا على القوة الأميركية المهيمنة عالميا، وشتى وجوه تفوّقها. وبعد استعراض دقيق لتحولات تكنولوجية واقتصادية، حقّقها التعاون الروسي الصيني الإيراني الذاهب في طريق شراكة متجذّرة وطموحة.
يلفت الانتباه ما تضمنه التقرير عن سورية، وتظهير القوة الروسية الحاسمة ومزاياها في الميدان السوري في فقرة خاصة، تعترف بأهميةٍ استراتيجية لموقع سورية في خرائط الصراع، وتَشكُّل القوة على الصعيد العالمي، وهذه مسألة هامة ونوعية، تعني منطقتنا مباشرة، وتطال مستقبلها، وهي توضح أن سورية باقية في مركز الاهتمام والمتابعة بالنظر لموقعها الجيوسياسي وتأثيرها في المعادلات الكبرى للتوازنات ومسارات الصراع على الصعيد العالمي.
استوقفنا في التقرير اعتراف صريح بالقدرات الروسية النامية والمتطورة وبكفاءتها العالية، مع الإشارة إلى تأصّل النبرة العدائية والتحريضية، التي حافظت على وتيرتها في تناول مظاهر نموّ قوة الدول الشرقية، التي وردت الإشارة اليها باستمرار لصيقة بتوصيفات عدائية وتحريضية، كإيحاءات أو تعبيرات سافرة، يُراد منها التشهير. لكن الحقيقة القاهرة بدت عصيّة على الإنكار، وتُوجِب اعترافا مستحقا، يعاند الغرب في إعلانه، ليستبدله بالمناورة والمخاتلة والالتفاف الموارب.