روسيا وإيران شراكة نامية وكتلة شرقية صاعدة
غالب قنديل
سلّطت الأحداث والتطورات الجارية الأضواء الكاشفة على الشراكات الروسية الإيرانية، التي تشعّبت وتوسّعت على مدى عقود وتطورت في مجالات متنوعة اقتصاديا وسياسيا في مواجهة الطغيان الغربي اللصوصي الخانق، الذي يحجب الفرص، ويفرض العقوبات لخنق كلّ تطلّع الى التطور والتنمية المستقلة والشراكات الدولية الندّية المتكافئة.
المواقف السياسية المتناغمة في التصدّي للتهديدات الأميركية الأطلسية، ورفض الهيمنة اللصوصية على العالم، تشكّل رصيدا سياسيا وميراثا لصداقة وثيقة، عزّزتها معمودية سوريّة ممتدة خلال العقدين الأخيرين، وفتحت فيها مسارات ومجالات رحبة وعالية المردود.
تواجَدَ الروس والإيرانيون معا في الميدان السوري، وبالشراكة مع الدولة السورية ومؤسساتها العسكرية والأمنية المختلفة، بينما تطورت شراكات وحوارات سورية روسية وايرانية في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، وتخطّى التحالف نطاقه العسكري والأمني، فتعدّى حدود تبادل الخبرات والعمل المشترك ضمن مسارات المهام.
تَطَور التعاون الروسي الإيراني، وتشعبّت مساراته، وفاض بثماره السياسية والعسكرية والاقتصادية. وقد وجّهت الجمهورية الإسلامية رسالة استراتيجية إلى المنطقة والعالم بانحيازها الى روسيا، سيكون لها تأثير عميق على العلاقات الثنائية والواقع الاستراتيجي الإقليمي.
ينطلق الموقف الإيراني، كما تشير تعبيراته السياسية في البيانات والتصريحات الرسمية، من قاعدة المصالح المشتركة في التصدي للهيمنة الأميركية الأطلسية، التي تشكّل خطرا وتهديدا مستمرا، يحتّم التحالف والتعاون بين سائر الدول والحركات المناوئة للهيمنة الأميركية وأخطبوطها المتشعب بجميع منصّاته وحقول فعله اللصوصي العدواني.
وقد كان مؤثرا تنويه طهران الى ضرورة توسيع الشراكات مع روسيا وتعميقها في مختلف المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، بل إن مسار التعاون المستجدّ والمتعدّد المستويات والحقول تقنيا واقتصاديا بين إيران وروسيا، يشير الى تكتّل اقتصادي واعد، يلاقي نهضة المارد الصيني وطاقته الهائلة.
إن هذا التحوّل يقدّم فرصا هائلة وواعدة لحركات التحرّر والدول النامية، وهو يلاقي تحديات وتحولات عالمية توجب التفكير والعمل المشترك، وتبادل الخبرات في الحدّ من احتكار الغرب للتكنولوجيا، وفي التصدّي لأخطبوط الهيمنة اللصوصية في العالم، وإزالة السدود من طريق نهضة وتفتّح إمكانات وقدرات كبيرة لدى شعوب الشرق ودوله.
اللافت في كلمات السيد رئيسي، التي تناول فيها هذا الأمر، أنها تكشف وعيا عميقا لأهمية الشراكة الروسية الإيرانية اقتصاديا واستراتيجيا، وإدراكا واضحا لتأثيرها الثوري والنهضوي في الشرق والعالم الثالث وخصوصا في إقليمنا.
كانت الغطرسة الغربية والهيمنة مقرونة تاريخيا بتشوّف، عزّزه تقدّم صناعي وتكنولوجي ومعرفي، واستند الى تحكّم أخطبوط ماليّ بأسواق العالم وبلدانه المكبّلة بأنماط متعدّدة ومركّبة من المديونية، وقامت صروح التقدّم الصناعيّ على نهب الثروات والخيرات، التي تضرّجت بدماء الضحايا في حروب هيمنة واستتباع.
روسيا وايران تطلّان من النافذة والبوابات السورية الرحبة على المشرق، وتنهضان قوة جبّارة عميقة الجذور واسعة الآفاق وافرة الثمار، ستكون فصول تناميها وتعاظمها المقبلة مجزية، ليس أبسطها وأقربها تسارع نهوض سورية، بل إنها بداية التحوّل التاريخيّ نحو شرق جديد مزدهر، وتلك بشارة أومأنا الى وعدها في كُنْهِ التسمية والاستشراف التاريخي: إنه الشرق الجديد.. منذ انتصار تموز العظيم.