من الصحافة الاميركية
لا تتعلق أزمة أوكرانيا بمجرد تعرض أمن دولة ذات سيادة للتهديد فحسب، بل هي معركة من أجل فرض نظام عالمي جديد، حيث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرتقي إلى مستوى التوقعات المتشائمة لصانعي السياسة والمحللين الغربيين.
ونشر موقع “مودرن دبلوماسي” الأمريكي تقريرا، تحدث فيه عن ملامح النظام العالمي الجديد الذي سيبدأ مع الغزو الروسي لأوكرانيا، مقارنًا بين موقفي الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، الذي يسعى إلى قلب النظام العالمي الحالي، على الأقل في ما يتعلق بهيكل الأمن في أوروبا والقارة بأكملها، بينما -على العكس- يفضل الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ضمان مكانة الصين في النظام العالمي الحالي، الذي يطغى عليه هيمنة النفوذ الصيني، لكنه من خلال ذلك يطمس بشكل خطير الخطوط الفاصلة بين النظام العالمي الحالي والتغييرات الجذرية التي يمكن تطرأ عليه.
ويوضح الموقع أنه، حسب الرئيس وودرو ويلسون، إذا كانت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى تهدف بالأساس “لجعل العالم آمنًا بهدف إرساء ديمقراطية”، فاليوم، يهدف بوتين “لجعل العالم آمنا” للحكام المستبدين”، حسب ما قال الكاتب جدعون رحمان في صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ويذكر أن ما يشترك فيه بوتين وشي ويتقاسمانه مع مجموعة مهمة من قادة العالم الآخرين، بما في ذلك ناريندرا مودي في الهند والرئيس المجري فيكتور أوربان، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، هو أنهم يفكرون من الناحية الحضارية وليس الوطنية، وبذلك، فإنهم يحددون حدود أممهم في إطار حضاري بدلا من إطار قانوني معترف بها دوليًّا.
ويبين الموقع أن هذا ما كان يتحدث عنه بوتين هذا الأسبوع في ندوة، أعلن خلالها اعتراف روسيا بجمهوريتين أوكرانيتين منفصلتين؛ حيث تهدف نظرة بوتين للتاريخ إلى تبرير الانتهاكات المدعومة من روسيا على الأراضي الأوكرانية، وتحديد الحدود الحضارية لما يسميه هو العالم الروسي؛ حيث يتم تحديد حدود هذا العالم من خلال الروس أو أتباع الثقافة الروسية في أي منطقة معينة.
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لأستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد ستيفن وولت، تساءل فيه عن أسلوب تعامل حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والولايات المتحدة، مع الأزمة الأوكرانية، وغزو روسيا لكييف.
وحسب وولت، فإنه “ليس من السهل فهم الطريقة التي ترد فيها الولايات المتحدة وأوروبا على العدوان الروسي”.
وانتقد وولت التعليقات والمقالات في الغرب، التي تمحورت حول رؤية تتعامل مع الوضع الأوكراني من خلال منظور أبيض- أسود، طبعا مع وجود استثناءات. “فهناك إجماع تقريبا على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أصل المشكلة، وأن تظلمات روسيا لا قاعدة شرعية لها أيا كانت، وأن الحل المنطقي هو رفض الغرب تقديم أي تنازلات، وبدلا من ذلك الوقوف أمام موسكو وحشد المزيد من القوات في أوروبا، وليس أوكرانيا، وفرض عقوبات اقتصادية صارمة حالة مضي روسيا بالغزو”.
وعبر الكاتب عن دهشته من العزيمة التي قدمتها الولايات المتحدة والناتو من جهة، والموقف الدبلوماسي الذي تبناه التحالف، فقد كان الرئيس الأمريكي جو بايدن واضحا في أن أمريكا لن ترسل قوات إلى أوكرانيا، ولم يعبر أي بلد أوروبي عن التزام مماثل. بل وأرسلت الولايات المتحدة رسالة عكسية من خلال سحب المسؤولين العسكريين الأمريكيين، ونقلت دبلوماسييها إلى مكان آخر.
وبعيدا عن بعض الرؤوس القاسية، فلا أحد في مؤسسة صناعة القرار الأمريكية يريد خوض حرب حقيقية من أجل أوكرانيا، وهو اعتراف تكتيكي، بأن أوكرانيا لا تمثل، في الحقيقة، مصلحة قومية أمريكية حيوية، بحسب “فورين بوليسي”.
وبالمقارنة، عبرت روسيا عن استعدادها لاستخدام القوة حتى تحقق أهدافها الجوهرية -وهو ما تم بالفعل- والتي تقوم على منع أوكرانيا من الانضمام للناتو، وليس الآن، ولكن في المستقبل المنظور.
وعبرت عن استعدادها هذا عام 2014، لكن بايدن يرى أن الروس يريدون شن حرب بالاختيار الآن. وكما في 2014 فتحريك القوات الروسية نحو إقليم دونباس أمر غير قانوني ولا أخلاقي، ولا يمكن الدفاع عنه من وجهة النظر الغربية، لكنه تم على أي حال.
ورغم هذه الفجوة الهائلة في القدرات والتصميم، فلم تتزحزح الولايات المتحدة، وبالتالي الناتو قيد أنملة في القضية المركزية التي تقسم الطرفين؛ فالموضوع هو اصطفاف أوكرانيا الجيوسياسي.
وتابع: “إذا لم يفتني أي شيء، فالناتو لا يزال مصمما على أن أوكرانيا لها الحق بالانضمام إلى التحالف عندما تتوفر شروط العضوية. مع أن أحدا لا يتوقع انضمام أوكرانيا في وقت قريب. وهي نقطة يحاول الغرب تكرارها مع موسكو، على أمل التقليل من مخاوفها. لكن الناتو لم يرض التنازل عن هذه الفكرة المجردة”.