تقارير مراكز الدراساتمقالات مختارة
دلالات ترشيح الجنرال كوريلا للقيادة المركزية د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
(بالتعاون مع “الميادين”)
بلورت الاستراتيجية الأميركية الكونية عداءها المتأصل للاتحاد السوفياتي، ثم لروسيا، منذ اعتمادها “مبدأ ترومان” وخطة مارشال لـ “إعادة إعمار أوروبا الغربية”، بعد الحرب العالمية الثانية، وما نجم عنها من تطور في هياكل المؤسسة العسكرية، في كل أذرعها، وتشكيلها لهيئة الأركان المشتركة، على ضوء التجارب المستفادة من سلسلة حروب منذ الحرب العالمية الأولى.
المنحى الراهن لتلك الاستراتيجية، والمتمثّل بالمبالغة في العداء لروسيا، أولاً وتلقائياً للصين، في وجهيها السياسي والعسكري، أُجمع عليه منذ العام 2014، بحسب العسكريين الأميركيين، خلال ولاية الرئيس باراك اوباما، وحافظت إدارة الرئيس جو بايدن على منسوب العداء صعوداً مطّرداً. اعتمدت تلك الاستراتيجية نزعة توتير الأجواء الدولية، وشن حروب لا متناهية منذ ذاك التاريخ، وتجديد تشكيل تحالفات جوهرها إعادة الاعتبار إلى ريادة واشنطن عالمياً، باستحضار ما يعدّه استراتيجو السياسة الأميركية “ترسيخ عقيدة الردع النووي والقصف الاستراتيجي”.
تلك المهمّات والأهداف العليا استدعت إدخال تعديلات جوهرية في هيكل القيادة العسكرية الموحّدة، والتي تأتي نتاجاً طبيعياً لمبدأ أقرّه الكونغرس في عام 1986، عُرف بقانون “غولدووتر-نيكولز”، كناية عن جهد مشترك لعضوي مجلس الشيوخ آنذاك، باري غولدووتر وويليام نيكولز، مفاده إيكال مهمـّات القرار العملياتي إلى “قيادات قتالية موحّدة” مركزية، وإبعادها عن التقليد السابق من قيادات الأفرع الاستراتيجية (القوات البرية والبحرية والطيران).
بحسب قانون “غولدووتر-نيكولز”، تم تعريف تراتبية هرم القرار العسكري، بدءاً برئيس البلاد (البيت الأبيض)، يليه وزير الدفاع، ثم القيادات القتالية الموحّدة، والذي استغرق نحو سنتين من الدراسة والمشاورات لتعديل هرمية “قانون الأمن القومي”، لعام 1947، والذي شكّل الإطار “القانوني” لإدارة عمليات الحرب الباردة والحروب الإقليمية الأخرى.
كانت المهمة الأولى منوطة بوزير الدفاع، ثم الأفرع المتعددة. بعبارة أخرى، تخضع تلك “الأفرع الاستراتيجية”، راهناً، للقيادة المركزية الأميركية، وفق نطاق عملياتها المحددة (تقرير أجرته هيئة “الخدمات البحثية للكونغرس”، تموز/يوليو 2012، حول “خطة القيادة الموحّدة” وتحديثات لاحقة تجريها كل عامين، بحسب الظروف).
تقدّم هذه الخلفية إطلالة واقعية على محورية “القيادة المركزية” الأميركية ونطاق عملها ومسؤولياتها في الشرق الأوسط، والتي تشمل “21 دولة تمتد من مصر إلى كازخستان شرقاً”، مسرحها العراق وسوريا واليمن وأفغانستان، وإدارة أعمال الأسطول الخامس في منطقة الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر، والتعاون مع الاسطول السادس في البحر الأبيض المتوسط.
في استطاعة المرء القول إن اختيار الجنرال مايكل كوريلا لرئاسة “القيادة المركزية”، جاء ثمرة نقاشات عسكرية وسياسية معمّقة، “وكان متوقّعاً منذ بضعة أشهر”، بحسب جنرالات البنتاغون.
تم منح كوريلا وسام النجمة الرابعة في العُرف العسكري، وهو سيخلف الجنرال الحالي مارك ميللي، ذو النجوم الثلاث. ما يميزه، تراتبياً وعسكرياً، هو خبرته الميدانية القتالية والقيادية الطويلة، وخوض عمليات “مكافحة الإرهاب”، بدءاً بالغزو الأميركي لبنما عام 1989، والقصف الجوي المكثف ليوغسلافيا 1999، وحروب الشرق الأوسط المتتالية: “عاصفة الصحراء” ضد العراق في عام 1991، والغزو الأميركي للعراق عام 2003، مروراً بالعدوان على أفغانستان عام 2001 والحرب الكونية على سوريا منذ آذار/مارس 2011. وتشير سيرته الذاتية الرسمية إلى تعرضه لإصابات خطيرة في إبان معركة الموصل في عام 2005، كوفئ في أثرها بوسامين عسكريين. ثم تولّى منصب قائد الفرقة 82 المحمولة جواً، والدائمة الحضور في الغزوات الأميركية المتعددة عبر العالم، الأمر الذي أهّله لنيل وسام النجمة الرابعة “نظير شجاعته”. وكان أحدث منصب له قائداً للفيلق 18 المحمول جواً.
تعرّف العالم إلى عقلية المرشح الجديد للقيادة المركزية الأميركية، مايكل كوريلا، وتوجهاته، خلال مثوله في جلسة استجواب أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، في 8 شباط/فبراير الحالي، مؤكداً فيها جملة من المواقف الاستراتيجية الأميركية، وخصوصاً في الشرق الأوسط.
قالت صحيفة النخب الليبرالية الأميركية، “واشنطن بوست”، إن مايك كوريلا هو الأوسع خبرة في الشرق الأوسط، وإنه “سيُجري تقييماً للخيارات العسكرية التي يمكن أن تساعد وزارة الخارجية في مهماتها”. ومن أهم ما جاء في شهادته وإجاباته، المواقف التالية:
ضرورة استمرار انخراط الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط نظراً إلى أهميته في منافسة كل من الصين وروسيا؛ تمثّل طهران الرقم 1 في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط؛ أي اتفاق قابل للتنفيذ يجب أن يضمن عدم حصول إيران على سلاح نووي؛ معارضة إجراءات إعفاء إيران من العقوبات في مقابل تعهّدها وقف مسارها لاقتناء سلاح نووي؛ إيلاء أهمية أعلى لتقنية الذكاء الاصطناعي وتسخيرها في مواجهة إيران؛ إيران تقدّم الدعم المالي إلى حركة “أنصار الله” وميليشيات أخرى في العراق وسوريا؛ ضرورة مبادرة أميركا من أجل تطوير نظام دفاع جوي وصارخي متكامل في منطقة الخليج؛ الغزو الروسي لأوكرانيا سيعزّز دور روسيا، وخصوصاً بعد نجاحه في التمدّد والنفوذ في سوريا، حيث القواعد والقوات الروسية هناك.
كان لافتاً أيضاً، خلال شهادته، استدراره عطف مناوئي الانسحاب من أفغانستان، وما رافقه من جدل واسع لم يتراجع إلاّ بفعل تجدد الأولويات الاستراتيجية نحو مواجهة روسيا في أوكرانيا. وذكّر أعضاء اللجنة البالغة التأثير في القرار السياسي بأن “مسرح القيادة المركزية يضم 9 من مجموع 10 من أشد المنظمات الإرهابية خطورة في العالم”.
في هذا الشأن، ركّز كوريلا على عدم اعتبار نظام طالبان شرعياً واتهامه برفض ادانته لتنظيمي القاعدة و”داعش” – فرع خراسان، ومساعيهما الجارية لإعادة تنظيم صفوفهما، ولما يمثلانه من تهديد مباشر للأراضي الأميركية، مسترشداً بما سمّاه “إطلاق طالبان سراح معتقلي قاعدة باغرام” عقب سيطرته على العاصمة كابل.
وأوضح كوريلا أن عمليات “الاستطلاع الجوي فوق أفغانستان لم تعد بذات الفعالية المبتغاة ذاتها، نظراً إلى طول المسافة التي تستغرقها رحلات الطيران، وتستهلك نحو ثلثي الزمن المفترض، والتداعيات الميدانية المتمثلة بتغيير وجهة المستهدف الناجمة عنها “.
وبناء على توجُّهاته التي أفصح عنها، مداورة أحياناً، اعتبر كوريلا أن هناك ضرورة ماسّة لإنشاء نظام دفاعي جوي وراداري مشترك، يدمج القدرات المتوافرة لدى “دول مجلس التعاون الخليجي والأردن و”اسرائيل”، والتنسيق مع الجهة الموكّلة بمهام إطلاق صواريخ الدفاع الجوي” من ترسانتها.
تلك التصريحات والتوجهات الهادفة، معطوفة على الخبرة الميدانية للمرشّح كوريلا، تؤهله لمصادقة اللجنة المحورية، ثم جلسة مجلس الشيوخ بكامل أعضائها، لتوليه منصب قائد القيادة المركزية الأميركية، من دون عوائق أو عقبات مرئية.
المنحى الراهن لتلك الاستراتيجية، والمتمثّل بالمبالغة في العداء لروسيا، أولاً وتلقائياً للصين، في وجهيها السياسي والعسكري، أُجمع عليه منذ العام 2014، بحسب العسكريين الأميركيين، خلال ولاية الرئيس باراك اوباما، وحافظت إدارة الرئيس جو بايدن على منسوب العداء صعوداً مطّرداً. اعتمدت تلك الاستراتيجية نزعة توتير الأجواء الدولية، وشن حروب لا متناهية منذ ذاك التاريخ، وتجديد تشكيل تحالفات جوهرها إعادة الاعتبار إلى ريادة واشنطن عالمياً، باستحضار ما يعدّه استراتيجو السياسة الأميركية “ترسيخ عقيدة الردع النووي والقصف الاستراتيجي”.
تلك المهمّات والأهداف العليا استدعت إدخال تعديلات جوهرية في هيكل القيادة العسكرية الموحّدة، والتي تأتي نتاجاً طبيعياً لمبدأ أقرّه الكونغرس في عام 1986، عُرف بقانون “غولدووتر-نيكولز”، كناية عن جهد مشترك لعضوي مجلس الشيوخ آنذاك، باري غولدووتر وويليام نيكولز، مفاده إيكال مهمـّات القرار العملياتي إلى “قيادات قتالية موحّدة” مركزية، وإبعادها عن التقليد السابق من قيادات الأفرع الاستراتيجية (القوات البرية والبحرية والطيران).
بحسب قانون “غولدووتر-نيكولز”، تم تعريف تراتبية هرم القرار العسكري، بدءاً برئيس البلاد (البيت الأبيض)، يليه وزير الدفاع، ثم القيادات القتالية الموحّدة، والذي استغرق نحو سنتين من الدراسة والمشاورات لتعديل هرمية “قانون الأمن القومي”، لعام 1947، والذي شكّل الإطار “القانوني” لإدارة عمليات الحرب الباردة والحروب الإقليمية الأخرى.
كانت المهمة الأولى منوطة بوزير الدفاع، ثم الأفرع المتعددة. بعبارة أخرى، تخضع تلك “الأفرع الاستراتيجية”، راهناً، للقيادة المركزية الأميركية، وفق نطاق عملياتها المحددة (تقرير أجرته هيئة “الخدمات البحثية للكونغرس”، تموز/يوليو 2012، حول “خطة القيادة الموحّدة” وتحديثات لاحقة تجريها كل عامين، بحسب الظروف).
تقدّم هذه الخلفية إطلالة واقعية على محورية “القيادة المركزية” الأميركية ونطاق عملها ومسؤولياتها في الشرق الأوسط، والتي تشمل “21 دولة تمتد من مصر إلى كازخستان شرقاً”، مسرحها العراق وسوريا واليمن وأفغانستان، وإدارة أعمال الأسطول الخامس في منطقة الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر، والتعاون مع الاسطول السادس في البحر الأبيض المتوسط.
في استطاعة المرء القول إن اختيار الجنرال مايكل كوريلا لرئاسة “القيادة المركزية”، جاء ثمرة نقاشات عسكرية وسياسية معمّقة، “وكان متوقّعاً منذ بضعة أشهر”، بحسب جنرالات البنتاغون.
تم منح كوريلا وسام النجمة الرابعة في العُرف العسكري، وهو سيخلف الجنرال الحالي مارك ميللي، ذو النجوم الثلاث. ما يميزه، تراتبياً وعسكرياً، هو خبرته الميدانية القتالية والقيادية الطويلة، وخوض عمليات “مكافحة الإرهاب”، بدءاً بالغزو الأميركي لبنما عام 1989، والقصف الجوي المكثف ليوغسلافيا 1999، وحروب الشرق الأوسط المتتالية: “عاصفة الصحراء” ضد العراق في عام 1991، والغزو الأميركي للعراق عام 2003، مروراً بالعدوان على أفغانستان عام 2001 والحرب الكونية على سوريا منذ آذار/مارس 2011. وتشير سيرته الذاتية الرسمية إلى تعرضه لإصابات خطيرة في إبان معركة الموصل في عام 2005، كوفئ في أثرها بوسامين عسكريين. ثم تولّى منصب قائد الفرقة 82 المحمولة جواً، والدائمة الحضور في الغزوات الأميركية المتعددة عبر العالم، الأمر الذي أهّله لنيل وسام النجمة الرابعة “نظير شجاعته”. وكان أحدث منصب له قائداً للفيلق 18 المحمول جواً.
تعرّف العالم إلى عقلية المرشح الجديد للقيادة المركزية الأميركية، مايكل كوريلا، وتوجهاته، خلال مثوله في جلسة استجواب أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، في 8 شباط/فبراير الحالي، مؤكداً فيها جملة من المواقف الاستراتيجية الأميركية، وخصوصاً في الشرق الأوسط.
قالت صحيفة النخب الليبرالية الأميركية، “واشنطن بوست”، إن مايك كوريلا هو الأوسع خبرة في الشرق الأوسط، وإنه “سيُجري تقييماً للخيارات العسكرية التي يمكن أن تساعد وزارة الخارجية في مهماتها”. ومن أهم ما جاء في شهادته وإجاباته، المواقف التالية:
ضرورة استمرار انخراط الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط نظراً إلى أهميته في منافسة كل من الصين وروسيا؛ تمثّل طهران الرقم 1 في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط؛ أي اتفاق قابل للتنفيذ يجب أن يضمن عدم حصول إيران على سلاح نووي؛ معارضة إجراءات إعفاء إيران من العقوبات في مقابل تعهّدها وقف مسارها لاقتناء سلاح نووي؛ إيلاء أهمية أعلى لتقنية الذكاء الاصطناعي وتسخيرها في مواجهة إيران؛ إيران تقدّم الدعم المالي إلى حركة “أنصار الله” وميليشيات أخرى في العراق وسوريا؛ ضرورة مبادرة أميركا من أجل تطوير نظام دفاع جوي وصارخي متكامل في منطقة الخليج؛ الغزو الروسي لأوكرانيا سيعزّز دور روسيا، وخصوصاً بعد نجاحه في التمدّد والنفوذ في سوريا، حيث القواعد والقوات الروسية هناك.
كان لافتاً أيضاً، خلال شهادته، استدراره عطف مناوئي الانسحاب من أفغانستان، وما رافقه من جدل واسع لم يتراجع إلاّ بفعل تجدد الأولويات الاستراتيجية نحو مواجهة روسيا في أوكرانيا. وذكّر أعضاء اللجنة البالغة التأثير في القرار السياسي بأن “مسرح القيادة المركزية يضم 9 من مجموع 10 من أشد المنظمات الإرهابية خطورة في العالم”.
في هذا الشأن، ركّز كوريلا على عدم اعتبار نظام طالبان شرعياً واتهامه برفض ادانته لتنظيمي القاعدة و”داعش” – فرع خراسان، ومساعيهما الجارية لإعادة تنظيم صفوفهما، ولما يمثلانه من تهديد مباشر للأراضي الأميركية، مسترشداً بما سمّاه “إطلاق طالبان سراح معتقلي قاعدة باغرام” عقب سيطرته على العاصمة كابل.
وأوضح كوريلا أن عمليات “الاستطلاع الجوي فوق أفغانستان لم تعد بذات الفعالية المبتغاة ذاتها، نظراً إلى طول المسافة التي تستغرقها رحلات الطيران، وتستهلك نحو ثلثي الزمن المفترض، والتداعيات الميدانية المتمثلة بتغيير وجهة المستهدف الناجمة عنها “.
وبناء على توجُّهاته التي أفصح عنها، مداورة أحياناً، اعتبر كوريلا أن هناك ضرورة ماسّة لإنشاء نظام دفاعي جوي وراداري مشترك، يدمج القدرات المتوافرة لدى “دول مجلس التعاون الخليجي والأردن و”اسرائيل”، والتنسيق مع الجهة الموكّلة بمهام إطلاق صواريخ الدفاع الجوي” من ترسانتها.
تلك التصريحات والتوجهات الهادفة، معطوفة على الخبرة الميدانية للمرشّح كوريلا، تؤهله لمصادقة اللجنة المحورية، ثم جلسة مجلس الشيوخ بكامل أعضائها، لتوليه منصب قائد القيادة المركزية الأميركية، من دون عوائق أو عقبات مرئية.