من الصحافة الاسرائيلية
مثلت المقابلة التي أجراها رئيس أركان الجيش الاسرائيلي السابق غادي آيزنكوت قبل أيام هزة في أوساط الإسرائيليين، الذين ما زالوا يبحثون تبعاتها وآثارها على المؤسسة العسكرية والحلبة السياسية، بعد أن وجه الجنرال المتقاعد اتهاماته يميناً ويساراً.
وأثارت مقابلة آيزنكوت التي نشرتها صحيفة “معاريف”، ردود فعل حماسية مؤيدة لها بين الإسرائيليين، الذين اعتبروه “المسيح المخلص” بالنسبة لهم، خاصة أولئك اليساريين، لكنها في الوقت ذاته تسببت في موجة انتقادات قاسية ضده، لأنه انخرط مبكرا في العمل السياسي، وبدا كأنه ينحاز مسبقاً للتيار اليساري في الحلبة الحزبية الإسرائيلية.
وحذر آيزنكوت في المقابلة من أن “إسرائيل قد تصل إلى حل الدولة الواحدة، الذي يمثل تطورا كارثيا، بفعل تعاظم التحديات المحيطة بها، وحالة الجمود السياسي التي تعيشها، مع غياب أي أفق للحل”.
رون نوتكين المحرر الرئيسي لشبكة الأخبار الإسرائيلية 13، اعتبر في مقاله أن “مقابلة آيزنكوت تشكل مصدر تهنئة لكتلة يسار الوسط في الساحة الإسرائيلية، لأنها أعلنت تتويجه مسيحا آخر لإنقاذ الدولة من التدهور الذي تشهده، لكن ما تفوه به آيزنكوت هو المشكلة بحد ذاتها”.
وأضاف أن “آيزنكوت أراد من تصريحاته المثيرة للجدل في المقابلة المذكورة أن يرى تتويجه الرسمي باعتباره الجنرال القادم لإنقاذ إسرائيل، خاصة أن هناك جملة مآخذ وملاحظات وتحفظات يمكن إيرادها على المقابلة ذاتها، أولها ذو بعد شخصي، حيث أورد آيزنكوت كلمة أنا 80 مرة تقريبا في الجزء الأول من المقابلة فقط، وفي هذا قليل من التواضع المطلوب لجنرال بحجمه”.
هناك بعد سلبي آخر اعتبره الإسرائيليون مأخذا في مقابلة آيزنكوت، وهي تلك المتعلقة بزيادة التحاق الشبان الإسرائيليين عند دخولهم الخدمة العسكرية في وحدات التكنولوجيا و8200 الاستخبارية، وبعدهم عن الوحدات القتالية، وهنا يطرح الإسرائيليون السؤال عن مسؤولية الجنرال المتقاعد في هذا المعطى الخطير، وأين دوره في الحد من هذا الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من الوحدات العملياتية الحربية، وإقبالهم بكثرة على العمل في الأقسام المريحة وغير الخطيرة.
وبغض النظر عن المآخذ التي يعلنها الإسرائيليون على آيزنكوت عقب تخويفه من جملة المخاطر التي تعترض إسرائيل في الفترة القريبة القادمة، فإن تصريحاته هذه يمكن اعتبارها شهادة ميلاد دخوله الحلبة السياسية، وقد باتت مسألة وقت ليس أكثر، وهناك دعوات إسرائيلية عاجلة للشروع في دخول الحلبة الحزبية، ما يعني امتدادا لقادة الجيش السابقين الذين انخرطوا في العملية الحزبية باكرا.
ويحذر الإسرائيليون مما يصفونها مشكلة في الذاكرة لديهم، لأن عدد رؤساء الأركان الذين أصبحوا سياسيين مميزين معدودين على أصابع اليد الواحدة، ولا يتذكرون سوى إسحاق رابين الذي ترأس الحكومة مرتين، وهناك أوساط إسرائيلية واسعة تشهد له بالنجاح في المستويين السياسي والعسكري، في حين أن إيهود باراك ما زال الكثير من الإسرائيليين يذكرون أنه واحد من أبرز رؤساء الوزراء الفاشلين.
ويستعرض الإسرائيليون قائمة من رؤساء الأركان السابقين الذين التحقوا بالعمل السياسي والحزبي، وبعيدا عن منحهم شهادات الفشل أو النجاح، فإنهم لم يتركون إرثاً حقيقيا، ومنهم موشيه يعلون، وشاؤول موفاز، ودان حالوتس، وغابي أشكنازي، وأخيرا بيني غانتس الذي كان على وشك الفوز في الانتخابات ثلاث مرات، لكنه لم ينجح رغم كل ذلك، مع أنه حنث بوعده الانتخابي الرئيسي، ودخل في حكومة مع نتنياهو.
ما زالت الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية منشغلة بتطورات صفقة زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، وبموجبها سيتم إغلاق ملف فضائح الفساد الخاصة به، مقابل إعادة صياغة الحكومة الإسرائيلية، من خلال انخراط حزب الليكود في الحكومة القائمة، بعد إزالة آخر الألغام التي اعترضته طوال الشهور الماضية.
آخر هذه التطورات تمثلت بصدور دعوات من داخل الليكود للدخول في هذه الحكومة من جهة، ومن جهة أخرى، بدأت بوادر معارك الخلافة في الليكود تأخذ مجرياتها الداخلية، حيث بعث عضو الكنيست ووزير المالية والنقل السابق يسرائيل كاتس برسالة لنشطاء الحزب مفادها أنه إذا غادر نتنياهو قيادة الحزب الحالية، فإنه سيشكل حكومة جديدة، دون تحفظ من أحد، خاصة وأن المعطيات القائمة تشير إلى أن الأخير قد ينهي فترة عمله في الكنيست، على الأقل مؤقتًا.
التقرير الذي نشره موقع “القناة 12″، نقل عن “ميري ريغيف وزيرة الثقافة السابقة وصفها لدعوات كاتس بتشكيل حكومة جديدة في غياب نتنياهو، بأنها خطأ كبير جدا، وخطوة غير محترمة، خاصة تصريحه بأنه سيرشح نفسه لقيادة الليكود في اليوم التالي لغياب نتنياهو، مطالبة بأن يكون ذلك ضمن حزمة إعادة تدوير السياسة الإسرائيلية”.
وأضاف التقرير أن “المداولات الجارية داخل الليكود تتجه نحو إجراء المزيد من المشاورات مع الائتلاف القائم بخصوص تشكيل الحكومة الجديدة، رغم عدم جدوى هذه الخطوة في هذه المرحلة على الأقل، لكن كاتس يعمل وفقًا لدستور الليكود كي يتم انتخابه رئيسا مؤقتا للحزب، وسرعان ما سيقوده لتشكيل الحكومة الجديدة، مع أن الشهر الماضي شهد هجوماً من نتنياهو نفسه على كاتس، وادعى أنه يقود “الليكوديين الجدد”، الذين يعارضون قيادته المستمرة للحزب، متهما إياه بأنه يعمل لمصلحته الشخصية على حساب مصلحة الحزب”.
يوعاز هاندل وزير الاتصالات في الحكومة الحالية زعم أن “الشيء الصحيح الذي يجب عمله بعد تقاعد نتنياهو هو دخول الليكود للحكومة، معترفا أن انتخاب رئيس جديد لحزب الليكود سيقدم للحكومة واقعًا جديدًا، ودعم انضمام الليكود للحكومة الحالية، بزعم أنه يؤمن بحكومة الوحدة، رغم أن تنحي نتنياهو عن قيادة الليكود سيغير الواقع السياسي والحزبي في إسرائيل، لكنه يثير في الوقت ذاته تساؤلات ومخاوف، معتقدا أنه إذا توسعت الحكومة، ودخل الليكود إليها، فإنه سيقويها”.
وزعم في حوار مع صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وترجمته “عربي21” أن “صفقة الإقرار بالذنب في محاكمة نتنياهو، مهم أن تتضمن عودة نتنياهو إلى بيته، ويتم إبعاده نهائيًا عن السياسة، وهذا أمر جيد لإسرائيل، لأنه يجب علينا التوقف عن التعامل مع شخص نتنياهو”.
من الواضح أن النقاش الجاري داخل الليكود والائتلاف على حد سواء يتركز في اعتبار الحكومة الحالية مقبولة، ويمكن الاكتفاء بإجراء بعض التغييرات فيها لتمكين الليكود من المشاركة فيها، ولا داعي لتشكيل حكومة أخرى، بل العمل على العثور على فرصة لتوسيع هذه الحكومة، لأنه سيحقق مزيدا من الاستقرار السياسي، ويبعد تل أبيب عن مزيد من الهزات الانتخابية التي عانى منها الإسرائيليون في الأعوام الثلاثة الماضية.