متاهة الانخلاع الغربي وهدر الفرص الشرقية
غالب قنديل
توارثت النخب السياسية والإعلامية اللبنانية ادمانا تقليديا على الارتهان الغربي ورسخت الوهم باعتبار الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة بالذات حاضرة العالم الأكثر تقدما مع مكانة خاصة لفرنسا معتمدة بقوة العادة والمتلازمة الاستعمارية المتوارثة من أجيال وما رسخ في ظلها من تقاليد ومفاهيم ثقافية واستهلاكية بلغت حد تسفيه المنتجات الوطنية في مفاضلات التسوق واحتقار بل وتحقير كل ما هو شرقي حتى لوكان متميزا في مواصفاته وأسعاره.
هذا الانخلاع الفصامي المتوارث تاريخيا في لبنان التابع للغرب تفسخت دعائمه تحت وطأة الانهيار واضطرار اللبنانيين للبحث عن سلع بمواصفات وأسعار مقبولة تناسب القدرة الشرائية وقد تحققت في هذا الظرف اختراقات وحالات تسرب لمنتجات سورية ومصرية كما أظهرت مبادرة محدودة قام بها حزب الله مزايا تفاضلية في المنتجات الإيرانية ومعادلات المواصفات والأسعار وما تزال البوادر خجولة ومحدودة في موضوع الدواء وعدد من السلع الاستهلاكية في ظل استنفار عصابات الوكلاء وزمر العملاء وأبواقهم المرعوبين من خطر انقلاب وشيك يحفزه تفاعل الناس وتجاوزهم للعوائق الوهمية المزروعة من عقود.
المفجع أن الواقع السياسي يدير الظهر لهذا الملف وبخبث فاضح يعتبره ثانويا بدافع الاحتفاظ بعلاقات متفاوتة مع دول الهيمنة الغربية وتحاشي اغضاب حكومات الغرب بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا خوفا من قدرتها على تحريك زمر محلية عميلة لزعزعة المعادلة السياسية اللبنانية وربما احداث انقلابات واضطرابات وليس فحسب نتيجة وزن المصالح المالية المشبوكة مع خيوط عمالة واسترهان سياسي داخل صفوف النخب السياسية والإعلامية اللبنانية.
مبادرات حزب الله النوعية في هذه المجالات تستحق الرعاية والتطوير لتفرض انعطافة في النهج الرسمي للدولة وسلوك الحكومات اللبنانية التي لا يستهان بقدرة الحزب المقاوم على التأثير في خياراتها وقراراتها فلا تبقى نافذة اسعاف خجولة ومحدودة فلتشرع الأبواب أم الشراكات الشرقية في جميع المجالات مع روسيا وايران والصين وليتقدم أذناب الغرب وأبواقه من معلميهم بعروض منافسة في الشروط والمواصفات والكلفة والتسهيلات.
نتوجه إلى جميع القوى الوطنية من احزاب وجماعات وشخصيات بالدعوة إلى مشورة عاجلة تضع خطة للتحرك السياسي والشعبي الضاغط القادر على فرض هذه التوجهات وبلورة التوازن السياسي الراجح الحاضن لها على صعيد المجلس النيابي بداية ثم في المستوى الحكومي بحيث تترسم معالم خطة وطنية للإنقاذ خارقة للحظر والمنع الخانق توضع في مسار التحقق لتنتشل البلد من هاوية سحيقة دحرج اليها بتزاوج التعفن في النظام المهلهل مع القرار الأميركي الغربي بدفعه في هوة سحيقة للتخلص من نموذج ينطوي على خطر العدوى .
صيانة المنارة المقاومة التي يمثلها لبنان في الشرق باتت وقفا على تعميق التجربة وتطويرها بخطة تغيير جوهرها اقتصادي بما ينضج التجربة ويتيح اكتمالها لتتحول إلى ملحمة تحرر سياسية واقتصادية وحضارية متكاملة وهذا هو لب الفعل التاريخي المنشود بالتقاط الفرصة السانحة بروح الإقدام والشجاعة والاقتحام التي جسدها المقاومون الذين داسوا المستحيل وشقوا فجرا ونصرا لوطنهم الصغير المستباح وخنقوا بقوة الفعل التاريخي ذئاب العمالة والارتهان.
