من الصحافة الاسرائيلية
ما زالت الانتكاسة التي وقعت بها وحدة الكوماندوز الخاصة في الجيش الاسرائيلي المسماة “إيغوز”، وأسفرت عن قتل جندي لاثنين من ضباطه بطريق الخطأ، تثير تساؤلات كبيرة حول حجم هذا الإخفاق، وهل الأمر مرتبط بشعور الخوف الحقيقي لدى الجنود من تزايد عمليات المقاومة، وهل وصلت حالة “الهوس الأمني” إلى هذا المستوى التي تجعل جنودا وضباطا إسرائيليين يطلقون النار على بعضهم من مسافة قصيرة جدا، وبطريقة تؤدي للقتل الفوري؟.
أسئلة كثيرة تطرح منذ الإعلان عن مقتل اثنين من ضباط النخبة بسلاح أحد جنودهما، ومنها سبب انتظار مقاتلي الكوماندوز وضباطها قرابة 24 ساعة بعد سرقة الخوذة ووسائل الرؤية الليلية، ولماذا خرجوا إلى الميدان متعبين بعد تمرين شاق، ولماذا لم يتم تحديث الشرطة العسكرية على الفور بالحادث، وهل يمكن أن تكون وسائل الرؤية الليلية ضاعت، ولم تتم سرقتها، كل هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات حقيقية وواقعية لمعرفة السبب الحقيقي لهذا الإخفاق الخطير.
رون بن يشاي الخبير العسكري الإسرائيلي ذكر في مقاله بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أنه “قبل إخبار وسائل الإعلام بالظروف التي وقع فيها هذا الحادث المميت، فيجب أن يُقال بصراحة أن الكثير مما قيل عن سلسلة الأحداث التي أدت لإطلاق النار من قبل أحد الجنود تجاه الضابطين، وأرداهما قتيلين على الفور، لا يتوافق مع المنطق البسيط، ولا مع السلوك الذي يمكن توقعه من القادة الميدانيين في وحدة النخبة”.
وأضاف أن “ما يتم ترديده في الساعات الأخيرة حول خروجهما لاستعادة معدات قتالية باهظة الثمن مسروقة منهم، وخلالها اشتبه أحد الجنود بهما، معتقدا أنهما مسلحين فلسطينيين، سلوك خاطئ من محاربين مدربين وذوي خبرة، لأن السرقة وقعت قبل يوم تقريبا، فهل توقع ضباط الكوماندوز بقاء الفاعلين في نفس المكان، وإذا كان لا يزالون في المنطقة، فهل ستظل المعدات المسروقة بحوزتهم، مما يترك فراغا ليس مفهوما حول ما الذي سعى الضابطين لتحقيقه بالضبط عند الخروج لمنطقة بعيدة المدى نسبيا عن القاعدة العسكرية”.
من الواضح أنه بعد مرور أكثر من 24 ساعة على هذا الفشل العملياتي الكبير لوحدة النخبة، لا زال يوجد حاليًا عدد كبير جدا من علامات الاستفهام، لذلك هناك ما يبرر إجراء تحقيق فوري ومعمق من قبل الجيش الإسرائيلي لمعرفة حقائق ما حصل بالتأكيد، وبعد ذلك، فقط بعد أن تتضح الحقائق، لا أحد متأكد أنه سيكون هناك مجال لاستخلاص النتائج، وربما أيضًا الإشارة للإخفاقات، ومن المسؤول عنها.
مع العلم أن تكرار هذه الإخفاقات داخل الجيش من الأخطاء العملياتية، وآخرها حادث تحطم مروحية الأسبوع الماضي، وإطلاق النار المزدوج، تستدعي الحاجة لمعرفة الأسباب الحقيقية الكامنة خلفها، لأنها تشير على وجه الدقة إلى سلسلة من الإخفاقات والإغفالات وفقدان الانضباط داخل الجيش، مما أدى إلى هذه النتائج المفزعة له وللجمهور الإسرائيلي عموما، الذي لا يزال يبحث عن إجابات شافية للكثير من الأسئلة التي لا تزال تطرح بدون إجابة.
ما زال الملف الإيراني يطغى على النقاشات الإسرائيلية كلما اقتربت الأطراف الدولية من التوقيع على اتفاق نووي جديد مع طهران، رغم المعارضة الإسرائيلية العلنية لذلك، والجهود المتواصلة مع واشنطن لعدم إنجاز هذا الاتفاق، بزعم أنه ضد مصالحها بعيدة المدى.
ورغم ذلك لا يبدو أن المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي على قلب رجل واحد في هذا الموقف، بدليل ظهور دعوات جديدة من داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية التي تدعو لإعادة النظر في الموقف التقليدي الرافض لأي اتفاق نووي مع طهران، على اعتبار أن هذا يمثل المجتمع الدولي بأسره، بما فيه الولايات المتحدة، مما يجعل أي معارضة إسرائيلية ليست ذات جدوى من جهة، ومن جهة أخرى، يظهرها في موقف شاذ عن مجمل أعضاء الأسرة الدولية.
الجنرال إسحاق بن يسرائيل الرئيس السابق لوكالة الفضاء الإسرائيلية، قال في حوار نشرته صحيفة معاريف، إن “القوات الجوية الإسرائيلية يمكنها حاليا تدمير المنشآت النووية في إيران، لكنها ستعيد تأهيل نفسها في غضون عامين تقريبا، ولذلك فإن أي ضغط إسرائيلي على الولايات المتحدة التي تقود المحادثات النووية بين إيران والقوى العظمى سيعتبر خطأ استراتيجيا خطيرا”.
وأضاف أنه “سيكون من الصعب أن نتخيل كيف سترتكب إسرائيل مثل هذا الخطأ، لأنه سيعتبر أخطر خطأ استراتيجي عليها، سواء الهجوم العسكري على إيران، أو الضغط على واشنطن لمنع الاتفاق النووي؛ لأن الهجوم لن يؤدي إلا إلى تأخير قصير ومؤقت. صحيح أن سلاح الجو يستطيع تدمير المنشآت النووية، لكن الإيرانيين سيعيدون قدراتهم في غضون عامين، والسؤال الآن كيف نجعلهم لا يريدون قنبلة من الأساس، الجواب بسيط جدا، وهو ادفعوا لهم”.
في الوقت ذاته فإن أوساطا أمنية إسرائيلية أخرى تعتبر أن أي قرار إسرائيلي بشن حرب على المنشآت النووية الإيرانية قد يصطدم بالمصالح السياسية والحزبية، أي إنه في حال قرت حكومة نفتالي بينيت الحالية تنفيذ هجوم جوي على طهران، فإن معسكر اليمين الإسرائيلي سيكون أمام تحدّ حقيقي تجاه هذا القرار، سواء بدعمه أو معارضته.
إيلي كوهين وزير الاستخبارات الإسرائيلية السابق، وأحد أقطاب حزب الليكود قال في مقال نشرته صحيفة معاريف، أنه “فيما تواصل إدارة بايدن صياغة سياستها تجاه إيران، فإن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي لا زال يتلعثم، ولا يتحدث بلغة موحدة في مواجهة التهديد الإيراني، بينما تستمر طهران في السعي بقوة للحصول على سلاح نووي وحيد الغرض لتدمير إسرائيل؛ لأن امتلاك إيران لمثل هذه الأسلحة سيخلق ضررا لا رجعة فيه لتفوق إسرائيل الأمني الإقليمي، وقد يؤدي لتصعيد إقليمي، واحتمال كبير لشن حملة دولية”.
وأضاف أن “محاولة الولايات المتحدة والقوى العظمى تجديد الاتفاقية النووية مع إيران بكل قوتها، تبدو منفصلة عن أي تقييم استخباراتي وتجربة سابقة، والواضح أن سياسة الرئيس بايدن الحازمة، والعقوبات المستمرة، والاستعداد للعمل العسكري حسب الحاجة، ستحافظ على الاستقرار الإقليمي، وتعزز التحركات السياسية”.
وتشير هذه الآراء الإسرائيلية المتباينة من الموقف تجاه إيران، إلى أن الاستقطاب والتحريض داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية تقف على رأس أولوياتها، رغم أن الحرب على البرنامج النووي الإيراني يتوقع أن يتجاوز أي جدل سياسي، مع العلم أنه إذا اتخذت إيران إجراءات جديدة ستوصلها إلى نقطة اللاعودة، فستكون الحكومة الإسرائيلية أمام مخاوف من عدم تلقي الدعم الكامل من المعسكر اليميني للقيام بعمل عسكري، حسب الحاجة.