من الصحافة الاسرائيلية
مع بداية العام الجديد واتضاح حجم أجندتها السياسية والعسكرية والأمنية المزدحمة، تزداد التقديرات الإسرائيلية التي ترى أن اسرائيل تبدو أنها لم تقرر بعد ما إذا كانت “محمية” أمريكية في الشرق الأوسط، أو “قوة إقليمية” لها أنماط سلوك أساسية ومرئية خاصة بها.
ويعود ذلك إلى انخراط اسرائيل خلال الآونة الأخيرة في تحركات كثيرة للمساهمة في تحسين وضعها في المنطقة والعالم، بجانب مواجهة التهديدات التي تتشكل من حولها، وطرق تعاملها معها.
صحيح أن اسرائيل تشهد تقدما مستمرا في قدراتها العسكرية، وتناميا في تطورها الاقتصادي، وزيادة في مكانتها الإقليمية والدولية، لكنها في الوقت ذاته تشهد حالة داخلية من الاضطراب السياسي القانوني، مما أثر سلبا على تعاملها مع القضايا الخارجية، وبات أداؤها ضحلا وفقيرا في معظم القضايا، وقد يُعزى ذلك إلى فشل الاحتلال الفعلي في تحقيق التسوية مع العرب والفلسطينيين، بجانب إخفاقه في فرض القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية.
رافي لاوبيرت الكاتب الإسرائيلي في موقع “نيوز ون”، استعرض في مقال ما قال إنه: “أهم التحديات الماثلة أمام إسرائيل في العام الجديد تتمثل في كيفية تشكيل علاقاتها التجارية والسياسية مع الدول المجاورة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط وأوروبا الشرقية، والتفاهمات مع روسيا ودول القوقاز بمعزل عن الولايات المتحدة، في ظل استمرار وجود علاقة حميمة سياسية واستراتيجية معها، تم تشديدها بشكل كبير في حقبة ترامب، وأسفرت عن إنجازات سياسية مهمة لإسرائيل”.
وأضاف أن “إسرائيل استفادت بفضل علاقاتها مع واشنطن بتطوير قدراتها التكنولوجية المدنية والعسكرية، واكتسبت الكثير من الزخم، ولا تزال إسرائيل لا تستخدم قوتها العسكرية والاقتصادية لكسر الجمود القائم مع جيرانها، تمهيدا لإعادة تموضعها في موقف إقليمي جيوسياسي جديد لمواجهة المنظمات المسلحة التي تعمل حولها بنشاط، وتهدد سلام الإسرائيليين، وتشكل بانتظام جزءا من تهديد استراتيجيتها في الشرق الأوسط”.
لا يخفي الإسرائيليون، وهم يعلقون كثيرا من آمالهم وتطلعاتهم على العلاقة مع واشنطن، خشيتهم من أن يتحولوا إلى ولاية تابعة لها، خاصة وأننا أمام تطورات جيو-إستراتيجية هامة ناشئة عن عدة عوامل رئيسية، أولها الانسحاب الأمريكي الاستراتيجي من المنطقة، والتركيز على مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأقصى لمواجهة الاتجاهات التوسعية للصين، وثانيها تدخل الصين في المنطقة، مع السعي للاعتراف بمكانتها كقوة عالمية وأهدافها الإمبريالية، وثالثها التهديد الرئيسي الذي يمثله تضارب المصالح المتزايد مع الولايات المتحدة، مما سيلزم “إسرائيل” باتخاذ موقف حاد في النزاع بين القوى العظمى، بحسب الكاتب.
ما زالت الأزمة السياسية الإسرائيلية مستحكمة في المشهد الداخلي، ورغم محاولات الحكومة ورئيسها نفتالي بينيت “لملمتها”، والعمل على تطويقها، خشية الإطاحة به، فإن الإهانات الموجهة له في الكنيست بالأيام الأخيرة تسهم في إضعافه أكثر، وتعمل على إيذائه، وتمثل هدية مجانية لأعدائه.
ومع العلم أن كل من شاهد البث الحي من الكنيست يكتشف كيف يتعرض نفتالي بينيت زعيم حزب “يمينا” لأسوأ لحظات حياته وهو يواجه إهانات قاسية، على الهواء مباشرة، من بعض أعضاء اليمين، الذين صرخوا في وجهه، واتهموه بأنه “فقد كوابحه” وأنه “مجنون”، وأن هناك “قلقا شديدا على صحته العقلية”، وأنه “يبيع النقب للعرب”، مع العلم أنه كان إلى أمد قريب أحد زملائهم ورفاقهم في معارضة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو.
آساف غولان الكاتب في صحيفة “إسرائيل اليوم” ذكر في مقاله أن “مسلسل الإهانات ضد بينيت لم يتوقف عند هذا الأمر، بل وصل إلى اتهامه بأنه “لص، محتال، مجرم من أسوأ الأنواع، ضعيف يعرض إسرائيل كلها للخطر، وكأن أعضاء الكنيست من مختلف القوائم الحزبية نسوا القواعد البسيطة التي تنظم لغة التخاطب بينهم، فكيف والحال مع رئيس الحكومة، لكن من الواضح أن إعادة تعليمهم إياها أصبحت ضرورية للغاية”.
وأضاف أنه “عندما يُذل زعيم دولتنا في الكنيست، ويصرخون في وجهه بأنه “عار”، وتُلقى عليه تعابير قاسية، فلسنا أمام معارضة عادية، لأن من يهان ويؤذى اليوم ليس شخصًا عاديًا، بل يمثل شعب إسرائيل، لكن هذا السلوك المشين لأعضاء الكنيست اليمينيين يدل على صوابية كل من قالوا إنه ليس من الصواب إعطاء دولة لليهود، لأنهم ليسوا شعبا، العالم من حولنا ينظر، يرى الضجة والعاصفة والعار والإذلال، ويقول: هؤلاء اليهود ينهارون من الداخل، وتنهار خيوط العنكبوت، ويتحولون إلى تراب”.
وفي مراجعة سريعة لمختلف مراحل السجال البرلماني في الكنيست للعقود الماضية، نجد انطباعا فوريا بأن الإسرائيليين أمام انقلاب سلبي في سلوكهم السياسي والحزبي، ما يفسح المجال أمام أعدائهم لينظروا للكنيست، و”يفركوا” أيديهم بسرور، الأمر الذي استفز العديد من الأوساط السياسية والحزبية الإسرائيلية، حتى تلك التي لم تصوت لرئيس الوزراء الحالي في الانتخابات الأخيرة، واتهامهم له بأنه خدع الناخبين، حين عمل على الترويج لقوانين سيئة، ودعوا لاستبدال الحكومة في الانتخابات المقبلة.
في الوقت نفسه فإن حجم الابتذال الذي تعرض له بينيت خلال جلسة الكنيست الأخيرة، من قبل أعضاء الكنيست الجدد من قائمتي الليكود والصهيونية الدينية يعطي تبريرا واقعياً للمخاوف الإسرائيلية مما يسمونها “شبح الحرب الأهلية اليهودية”، التي بدأت تتكرر على ألسنة العديد من الكتاب والصحفيين الإسرائيليين، وهم يرون أن الأمر تجاوز المعارضة السياسية العادية، التي عاشوها طوال العقود السبعة الماضية، ولم تصل في أسوأ ظروفها إلى هذا الدرك غير المسبوق من الإهانات والإذلال المشين!.