من الصحافة الاسرائيلية
في ظل ما تعانيه دولة الاحتلال من مشاكل داخلية وتهديدات خارجية، تُظهر مؤشرات استطلاع الرأي الأخيرة معطيات مقلقة لدوائر صنع القرار الإسرائيلي، لاسيما تلك المتعلقة بالجيش وأجهزة الأمن، التي بقيت إلى عهد قريب تشبه “البقرة المقدسة”، ولا يمكن الاقتراب منها بأي نقد أو اتهام.
لكن المستجدات في السنوات الأخيرة، وما شملته من إخفاقات متعددة المجالات داخل الدولة وخارجها، لم يستثن أياً من مؤسساتها وأجهزتها، الأمر الذي وجد ترجمته في تراجع ثقة الإسرائيليين بها، وزيادة مطالبهم بإصلاحها، ووقف حالة التدهور فيها، والحيلولة دون أن تتسبب بانهيار كامل لمؤسسات الدولة.
تال شاليف مراسلة موقع ويللا نقلت في تقرير ما قالت إنها “معطيات نشرها معهد الديمقراطية الإسرائيلي، وتتعلق بتراجع ثقة الإسرائيليين بجيشهم، ووصلت النسبة إلى 78٪ فقط، وهي أدنى مستوى لها منذ 13 عامًا، بعد أن وصلت نسبة الثقة في مؤشرات سابقة إلى 90%، وهذا يعني أننا أمام أدنى نسبة ثقة في الجيش منذ عام 2008، كما تراجعت ثقة الجمهور في الشرطة خلال الأشهر الأخيرة من 41٪ في أكتوبر إلى 33٪ في يناير، ثم جاءت الثقة في المحكمة العليا بنسبة 42٪ فقط، والحكومة بنسبة 27٪، والإعلام بنسبة 25٪، والكنيست بنسبة 21٪”.
وأضافت أن “المؤشر الذي تم تقديم نتائجه إلى رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ أظهرت معطياته أن ثقة فلسطينيي48 بمؤسسات الدولة أقل من ثقة اليهود، وأقل من 50٪ لجميع السكان، وحول الشعور بالأمن تم الكشف عن فجوات كبيرة بين اليهود والفلسطينيين داخل الدولة، لأن 61٪ من اليهود يوافقون على أن إسرائيل قادرة على ضمان أمن مواطنيها، مقابل أقلية فقط من الفلسطينيين بنسبة 33٪ فقط، وهذا يعني تراجعا حادا من الشعور بالأمن، بعد أن بلغ 64٪ في 2019، و56٪ في 2020”.
في معطيات أخرى جديرة بالمتابعة والتحليل يعتقد ثلث المستطلعين فقط أن إسرائيل تنجح في ضمان رفاهية مواطنيها، دون اختلافات كبيرة بين الفلسطينيين واليهود، وهي أدنى نسبة في العقد الماضي، وهنا أيضًا ظهر التدهور محسوسًا بشكل خاص بين الجمهور العربي، رغم التحسن الملحوظ في الأشهر الأخيرة، حيث وصف 48٪ الوضع بأنه “سيئ” أو “سيئ جدًا” في يونيو مقابل 28٪ في أكتوبر.
وقد أثر تغيير الحكومة الإسرائيلية في يونيو أيضًا على تقييمات أداء دولة الاحتلال، حيث يُظهر تقسيم العينة اليهودية، حسب المعسكرات السياسية، أن ناخبي يسار الوسط، الذين يدعمون الحكومة بقوة، ارتفع معدل تقييمهم بأن الدولة جيدة أو جيدة جدًا، بينما في اليمين انخفض من 39٪ في يونيو إلى 29٪ في أكتوبر.
البروفيسور تامار هيرمان من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، الذي يقوم برصد المؤشرات الإحصائية الواردة أعلاه، اعتبر أننا نرى تغيرا صارخاً في المواقف، فناخبو أحزاب الائتلاف المتشائمون سابقًا بشأن مستقبل الديمقراطية، أجروا تقييمات سلبية لها، وانتقلوا إلى جانب أكثر تفاؤلا، بعد أن أصبحوا في سدة الحكم.
أما هرتسوغ فأكد لدى تلقيه نتائج المؤشر أن تراجع الثقة في مؤسسات الدولة مقلق للغاية، و”يحرمه من النوم”، لأن التوتر المتزايد، وانعدام الثقة بين السلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية، أدى لتراجع ثقة الجمهور الذي يرى ويسمع الصدامات والانتقادات.
يحمل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة بين حين وآخر، فرصة لاستخلاص الدروس والعبر، وتفادي الأخطاء التي يقع فيها جيش الاحتلال بين كل عدوان وآخر، لاسيما في ضوء ما باتت تمتلكه المقاومة من قدرات عسكرية وإمكانيات قتالية تشكل تحديا لآلة الحرب الإسرائيلية.
في الوقت ذاته تشير المعطيات الميدانية الإسرائيلية إلى أن عملية توجيه ضربات جوية إلى أهداف في قلب غزة يتخللها الكثير من الإجراءات، والمخاطرة الكبيرة لأن المقاومة باتت تحوز مضادات للطيران الإسرائيلي، وهو ما كشفت عنه خلال العدوان الأخير قبل أيام، ما قد يعني أن أجواء غزة قد تصبح محرمة على الطيران الإسرائيلي من جهة، ومن جهة أخرى يطرح ذلك تساؤلات مهمة حول جدوى سلاح الجو وحده لتحقيق أهداف العدوان، مع تحييد باقي الأسلحة؛ لعدم قدرتها على خوض معركة برية مع المقاتلين الفلسطينيين.
يوآف زيتون الخبير العسكري ذكر في تقريره بصحيفة يديعوت أحرونوت أن “اتخاذ قرار بتنفيذ قصف جوي تجاه أي من الأهداف القتالية داخل غزة، يستغرق بضع ساعات، لكنه في الوقت ذاته يطرح شكوكا كبيرة حول مدى القدرة على القضاء على حماس من الجو فقط، وهو ما تعلمه جيدا غرفة التخطيط التي تتابع عن كثب عملية الهجوم التابعة لقيادة المنطقة الجنوبية في رئاسة الأركان، حيث تجتمع مجموعة الضباط والجنود حول الطاولة تحاكي إجراءً لإعداد هدف لشن هجوم في قطاع غزة، كما فعلت مئات المرات في العام الماضي”.
وأضاف أن “الشاشات الموجودة على الجدران فيها رسوم توضيحية لكل الأهداف المنتقاة، بعضها ثلاثية أبعاد، والبعض الآخر من زاوية جانبية، ويتم عرض واحدة تلو الأخرى بواسطة كاميرات خاصة، حيث يتم التخطيط في هذه الحالة لمهاجمة الجيش الإسرائيلي لهذه الأهداف خلال ساعات قليلة فقط، ويخضع كل موقع منها لعملية استكشاف نهائية، وتتاح الفرصة لكل الأجهزة والوحدات العسكرية للإدلاء بالتعليقات، خاصة إن كان المقصود ضرب منشآت لإنتاج الصواريخ، لاسيما مع رفع حماس قدراتها الصاروخية، وتطويرها، خلال العام الماضي”.
تشير المعطيات الإسرائيلية إلى أن تنفيذ أي عدوان على غزة يشمل تنسيقا بين وحدات الاستخبارات والنار والجو، ويتم تشغيل هذه الوحدات المشتركة في مقر القيادة بمدينة بئر السبع جنوباً، والغرض هو إنشاء بنك جديد للمواقع المستهدفة، من خلال التعرف عليها، واحدا تلو الآخر، وإحالة المعلومات من مصادر مختلفة، ومن جميع مجالات الذكاء البصري، والتنصت والجواسيس والمخابرات، ثم يتم الانتقال إلى التخطيط التشغيلي على أرض الواقع.
بالعادة، تستغرق عملية قصف مواقع في غزة بضع ساعات، ويُطلب من الضباط والجنود الموجودين في مركز النار أن يتلقوا التعليمات استعدادا لخوض ساعة حرب صغيرة، وأي خطأ يرتكبونه قد يؤدي للتصعيد، فضلا عن كون الجيش مهتما بمهاجمة وتدمير البنية التحتية، مثل مخارط صنع الصواريخ، وليس استهداف المسلحين الموجودين داخل الموقع؛ خشية من رد فعل المقاومة، وهناك حالات استثنائية تتعلق بعدم قدرة الجيش على الوصول لبعض الأهداف على الأرض.
تؤكد العدوانات الإسرائيلية أن أي قصف هو مسألة دقيقة للغاية، وعليه يجد الجيش نفسه مطالبا باستخلاص الدروس والعبر التي تعلمتها حماس للدفاع عن نفسها خلال الهجوم القادم، لأن مقاتليها لديهم الكثير من الخبرة العسكرية، ويقومون بتحديث مكوناتهم المتغيرة.
من التحديات الإشكالية التي تواجه سلاح الجو الإسرائيلي في قصفه المتكرر لأهداف عسكرية أن قطاع غزة مساحته ضيقة، والبيوت مزدحمة، والمواقع متراصة، لكن المشكلة أمام الجيش أن غزة مكان يتغير بسرعة، وليس سهلا ضرب كل الأهداف المطلوبة بسبب قيود الطقس، أو الأنشطة العملياتية السرية الأخرى.
في الوقت ذاته أشارت معطيات العدوان الأخير على غزة في أيار/ مايو، إلى وجود خلافات داخل الجيش حول التوقيت، والاستخدام المحدود لعنصر القوة، ولذلك تم إرسال القوات البرية قرب حدود شمال قطاع غزة؛ لمحاكاة بدء مناورة أرضية، لكنها فشلت، وبات يطلق عليها اسم “مترو حماس”، لأن النتيجة تمثلت في أن حماس لم تأكل “الطعم”، بعد أن كان الهدف تحدي حماس فيما يتعلق بالسلاح الأساسي الذي أعدته ضد الاحتلال، وهو شبكة، وإظهار أن الجيش يعرف مكانهم، وكيفية ضربهم جوا.