من الصحافة الاسرائيلية
لم يكن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة الموضوع الوحيد الذي تناوله لقاء الملك الأردني عبد الله الثاني ووزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، في عمان وربما لم يكن الموضوع المركزي في اللقاء، وإنما بحثا الوضع في سورية بالأساس، وفقا لتقرير للمحلل السياسي في موقع “واللا” الإلكتروني باراك رافيد.
وبحسب التقرير فإن “الأردنيين أرادوا التحدث عن الوضع في سورية. فالملك يسخن العلاقات مع نظام الأسد مؤخرا إثر الإدراك أن الطاغية السوري باقٍ”.
وأضاف أن الموضوع الأهم والأكثر حساسية بالنسبة للملك الأردني هو موضوع الحدود بين الأردن وسورية، “والتعاون الأمني بين إسرائيل والأردن حول الوضع في سورية بالغ الأهمية بالنسبة للأردن”.
وأشار التقرير إلى القلق في الأردن من انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. وأضاف أن رئيس الدائرة السياسية – الأمنية في وزارة الأمن الإسرائيلية، زوهار بالتي، أطلع مستشاري الملك الأردني أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، “تعهدت أمام إسرائيل بأن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من سورية والعراق في المستقبل المنظور”.
وفيما يتعلق بالوضع في الأراضي الفلسطينية، فإن اللقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وغانتس في منزل الأخير في روش هعاين الأسبوع الماضي “ساهم كثيرا في نجاح لقاء الملك وغانتس، فقد أراد الملك أن يسمع من غانتس مباشرة حول اللقاء مع أبو مازن والخطوات التي يدفعها من أجل تعزيز السلطة الفلسطينية وتحسين الوضع في الضفة”.
وأشار التقرير إلى لقاءات سابقة بين عبد الله الثاني وغانتس ومنذ ولاية الأخير كرئيس لأركان الجيش الإسرائيلي، “وعلاقاتهما دافئة وقريبة. واللقاءات السابقة بينهما بقيت سرية أو تم النشر عنها بعد انعقادها بوقت طويل”.
وأضاف التقرير “لكن هذه المرة سمحت “قمة روش هعاين” للأردنيين بإخراج اللقاء بين الملك ووزير الأمن الإسرائيلي إلى العلن، ونشر الديوان الملكي صورة من اللقاء”.ولفت التقرير إلى أن الصورة الأخيرة التي نشرتها الأردن للقاء بين الملك ومسؤول إسرائيلي كانت مع رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو. “والجمود في العلاقات الإسرائيلية – الأردنية سببه العلاقات المتوترة بين الملك ونتنياهو، وسببها الأساسي سياسة إسرائيل في الموضوع الفلسطيني”.
وأضاف التقرير أن “الملك عبد الله اعتبر خطوات نتنياهو ضد السلطة الفلسطينية ورفض تنفيذ خطوات لتحسين الوضع في الضفة الغربية، أنها خطوات موجهة ضده أيضا وتستهدف الاستقرار في الأردن”.
ونقل التقرير عن موظف إسرائيلي رفيع المستوى ومطلع على مضمون اللقاء بين الملك وغانتس، قوله إن “رسالة الملك المركزية لوزير الأمن كانت: ’كل الاحترام، استمروا على هذا النحو’”.
وأضاف الموظف الإسرائيلي أن “الاستقرار في الضفة الغربية مهم جدا للأردن. وكان الملك يريد رؤية تقدم سياسي، لكنه يدرك أنه في ظل الواقع السياسي في إسرائيل، فإن التعاون الأمني والاقتصادي بين إسرائيل والفلسطينيين هو أفضل ما يمكن تحقيقه. وهو ينظر إلى غانتس على أنه يحمل هذه الراية”.
في الوقت الذي تواصل فيه العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين جمودها، واستمرار انسداد الأفق السياسي بينهما، فقد بدأت تخرج أصوات إسرائيلية، رسمية وشعبية، تحذر من مواصلة هذا الوضع المأزوم، لأنه قد يحمل دعوات فلسطينية ودولية لاتهام إسرائيل بأنها تطبق نظام الفصل العنصري، ما يعني ترك آثار سلبية كارثية على اسرائيل.
ميخائيل هراري الدبلوماسي السابق، وعضو مجلس إدارة معهد “ميتافيم” للعلاقات الإقليمية، ذكر في مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن “الجدل الإسرائيلي العام حول إيجاد بدائل لحل الدولتين مع الفلسطينيين، في مواجهة تقلبات النزاع معهم خلال العقد الماضي، يعترضه إجماع يتجاوز حدود الحزب الواحد، وهو أنه لا توجد فرصة لتطبيق هذا الحل في المستقبل المنظور، ما يعني عدم التوصل إلى اتفاق دائم، عقب الاستخدام المفرط لعبارة عدم وجود شريك فلسطيني”.
وأضاف أن “الأشهر الأخيرة شهدت تصاعد الجدل الإسرائيلي في الدوائر السياسية، وتزايدت الأصوات التي تقول إن حل الدولتين تم حظره لمواجهة الواقع السائد في الضفة الغربية، وغياب زعيم فلسطيني قادر على تحريك المجتمع الإسرائيلي من معسكر اليمين، باستثناء بعض الأصوات اليسارية، التي أبدت قبولها بالواقع المتشائم، ووصلت إلى نتيجة مفادها إما التوصل مع الفلسطينيين إلى تطبيق حل الدولتين، أو الانحطاط إلى نظام الفصل العنصري”.
وتجدر الإشارة إلى أن البديل الأول، وهو حل الدولتين، يتطلب موافقة رسمية إسرائيلية، وإعلانًا حكوميا بقبوله، والشروع في تنفيذه، أما البديل الثاني وهو بديل الفصل العنصري، فلا يحتاج لهذه الإجراءات، وسوف ينمو بشكل افتراضي في حالة عدم وجود بديل مع الفلسطينيين، ما سيقوي مواقف الجانب الفلسطيني، وفشل الجهود الإسرائيلية في تبديد الصورة الذهنية للصراع مع الفلسطينيين، من خلال اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، التي سعت لتحسين مكانة إسرائيل في الخليج والمنطقة بشكل عام.
ويدرك الإسرائيليون أكثر من سواهم أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقوم بين هويتين متناقضتين في المنطقة بين البحر والنهر، لكن الواقع يقول إن الهوية اليهودية تتعرض لخطر أكبر من الذوبان والضياع، لأن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الأصليين، وفي ظل هذه الخلفية، فإن الأصوات الإسرائيلية الداعية للقفز عن الصراع مع الفلسطينيين تزيد من سوء حالة إسرائيل، لأنها فقط توفر الوهم بأن نقاط الاحتكاك معهم يمكن تقليصها، دون معالجة السؤال المركزي المتعلق بطبيعة الحل المستقبلي.
ورغم ذلك فإن الدعوات الإسرائيلية المحذرة من تفاقم نموذج الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية، تبدي قناعة واضحة بضرورة استيعاب أن حل الدولتين قد انحسر بالفعل، لكنه لم يختف، لأن اختفاءه يعني، ولا محالة، قراراً إسرائيلياً واعياً يدعم ذلك، والواقع يقول إن إسرائيل لا تتمتع بامتياز القيام بذلك، والبديل هو تصفح مواقع الإنترنت الزاخرة بمفردات الفصل العنصري وهي تصف السلوك الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وقد بات لسان حال المجتمع الدولي والأمم المتحدة.