من الصحافة الاسرائيلية
مع انسداد الأفق السياسي أمام الفلسطينيين في ظل الحكومات اليمينية الإسرائيلية المتعاقبة، يطرح الإسرائيليون فرضيات جديدة حول مكانة أبي مازن كرئيس للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، الآخذة في التلاشي، ولذلك جاء إلغاء انتخابات المجلس التشريعي في أيار/ مايو أحد آخر المسامير في نعش الشرعية التي حظي بها على مر السنين، ولذلك فإن كثيرين من الفلسطينيين، وفق القراءة الإسرائيلية، يتوقون الآن لرحيله، ما يجعل الجانبين على شفا نهاية حقبة جديدة.
مع العلم أن هذه القراءة الإسرائيلية للواقع الفلسطيني الداخلي، خاصة موقع مكانة أبي مازن، تنطلق من فرضية أنه خسر مكانته رئيسا للفلسطينيين، منذ أن قرر إلغاء انتخابات المجلس التشريعي، بالتزامن مع ضغط إسرائيلي مستمر منذ عام 2009 لإخراج القضية الفلسطينية من جدول الأعمال الإقليمي والدولي، في حين وضعت “صفقة القرن” التي صاغتها إدارة ترامب صعوبات أمام السلطة الفلسطينية وأبي مازن لاستعادة مكانتهم.
يوحنان تسوريف المستشرق الإسرائيلي ذكر في مقال بموقع معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن “حماس تستفيد من الوضع، وتتعزز مكانتها في نظر الجمهور الفلسطيني كبديل، وبالتالي فإنه يتم خلق واقع يشك فيه أن أبا مازن، أو من يخلفه من التيار الوطني سيعود إلى العملية السياسية مع الاحتلال، لأن مفتاح التغيير يقع على عاتق الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وإسرائيل، ممن لديهم القوة لإحياء عملية إعادة الشرعية المفقودة لأبي مازن، ومن خلفه”.
وأضاف أن “المتابعة الإسرائيلية للأزمة التي تعرضت لها الحركة الوطنية الفلسطينية في السنوات الأخيرة وصلت إلى أبعاد غير مسبوقة، وقد كانت علاماتها ملحوظة للغاية على المستويات الأيديولوجية والقيادية والتنظيمية، حتى بات أبو مازن، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية منذ 2005، يعاني من فقدان الشرعية والأهمية لحركة فتح التي يرأسها، وأضحى يتلقى من أصدقائه اللوم على الانقسامات التي حدثت في الحركة، وضعفها الكبير”.
في الوقت ذاته فإن مظاهر الفساد العديدة في محيط عباس تثير غضبًا عامًا واسع النطاق بين الفلسطينيين، لاسيما بعد فشل عملية أوسلو، ما قد يدفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لانتظار تحقق سيناريو الدولة الواحدة بين الأردن والبحر، ويعتقد كثير من الإسرائيليين أنها ستأتي رغم كل شيء، في ظل أن سنوات رئاسة أبي مازن التي زادت على الـ15 عاما أصبحت فاشلة.
يستعيد الإسرائيليون لدى قراءتهم مآلات الحركة الوطنية الفلسطينية مسيرة المفاوضات التي قادها عباس مع رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، وما رافقها من زيادة مستوى التنسيق الأمني لملاحقة “حماس”، ثم مجيء رئيس الحكومة الفلسطينية الأسبق سلام فياض الذي بشر بالسلام الاقتصادي، وساهم في التنسيق الأمني بالضفة الغربية لمنع أي مظاهر للمقاومة فيها، لكن صعود الحكومات اليمينية في إسرائيل منذ 2009، جعل أبا مازن يواجه محاولات التجاهل والشطب.
ومع مرور الوقت، فقد بدأت السلطة الفلسطينية تذهب نحو مزيد من الفشل، وعجز أبو مازن عن الوقوف أمام الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، حتى وصل به الحال إلى عزلة “اضطر” فيها إلى اتخاذ خطوات لجلب “حماس” بجانبه من خلال الدعوة لانتخابات تشريعية، سرعان ما تراجع عنها خشية الخسارة، ما فاقم الانقسام في الساحة الفلسطينية، وفي حركة فتح أيضا، وألحق ضرراً قاتلاً بشخصية عباس، وأفقد السلطة الفلسطينية مكانتها فعليًا كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه عزز مكانة حركة حماس كبديل فلسطيني.
يكمن القلق الإسرائيلي في متابعة الحالة الفلسطينية في أن مآلاتها قد تعمل على توسيع مستوى الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي وبين الفلسطينيين في الضفة الغربية، ما سيؤدى إلى خلق ضغط دولي كبير على إسرائيل.
حذّرت كاتبة إسرائيلية من الخطورة الكبيرة التي تسببها الطائرات المُسيرة الإيرانية، التي من الممكن أن تساهم في “تحطيم التعادل” وقت المواجهة.
وأكدت ليلاخ شوفال في مقال بصحيفة “إسرائيل اليوم” أن “تهديد الطائرات غير المأهولة الإيرانية تعد حتى وقت أخير مضى كعنصر هام، وإن لم يكن بالذات حاسما في بناء القوة لدى طهران، لكن في الأشهر الأخيرة تغير المفهوم بشكل وجد تعبيره، ليس فقط في المواد الاستخبارية، بل وأيضا في خطابات مسؤولين إسرائيليين بمن فيهم رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الأمني بيني غانتس“.
وأشارت إلى أن بينيت في أيلول/ سبتمبر الماضي، “كرس للمسألة جزءا من خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وقال: “هذه السنة فقط بدأت إيران في تفعيل وحدات فتاكة جديدة؛ أسراب من المسيرات الفتاكة، المسلحة بسلاح يمكنه أن يهاجم في كل مكان، وفي كل زمان، يخططون لتغطية سماء الدولة بهذه القوة الفتاكة”.
أما وزير الدفاع بيني غانتس، فقد كشف أن “إيران حاولت نقل مواد متفجرة من سوريا لمحافل في الضفة الغربية، بواسطة طائرات غير مأهولة”.
ولفتت الكاتبة إلى أن “حقيقة أن إيران تطور مسيرات تستخدمها وتزود بها فروعها في الشرق الأوسط ليست جديدة”، منوهة بأنه “قبل حرب لبنان الثانية تسللت طائرات غير مأهولة إلى إسرائيل، وفي تموز/ يوليو 2006، وفي ذروة الحرب، أطلق حزب الله عدة مُسيرات مسلحة برؤوس متفجرة نحو مركز البلاد”.
وأضافت: “لكن يخيل أن اللحظة الأساس التي وضعت الطائرات المُسيرة الإيرانية على الخريطة وقعت في أيلول/ سبتمبر 2019، عندما استخدمت إيران مُسيرات وصواريخ جوالة أطلقت لمسافة نحو ألف كيلو متر لغرض الهجوم على مواقع نفط سعودية (شركة أرامكو)”، منوهة بأن مسيرات إيرانية هاجمت أيضا القاعدة الأمريكية في “التنف” في شرقي سوريا، دون وقوع إصابات.
وعن الهجوم الذي نفذ في السعودية، قالت: “أسراب المُسيرات الإيرانية وصلت هدفها بمفاجأة تامة هناك، دون أن تكتشفها منظمات الدفاع الجوي السعودية التي تحمي منشآت النفط، ودون أن تجرى أي محاولة لاعتراضها، ومنذئذ علم بعدة أحداث أخرى لاستخدام إيراني للمُسيرات، المركزي منها الهجوم على سفينة “ميرسر ستريت”، التي كانت تبحر من ميناء دار السلام في تنزانيا نحو الإمارات، وهذه عملية شهدت على قدرات هجومية إيرانية بعيدة المدى”.
ونبهت شوفال بأن “تحت تصرف إيران عدة أنواع من الطائرات غير المأهولة، بعضها كبيرة الحجم وذات مدى يصل إلى آلاف الكيلومترات للمراقبة وللهجوم، وأخرى هي مُسيرات انتحارية، أصغر وأبسط”، مشيرة إلى أن “المشكلة تحتدم في ضوء أن إيران لا تستخدم هذه الطائرات بنفسها فقط، بل تزود بها فروعها في أرجاء الشرق الأوسط؛ اليمن والعراق وسوريا”.
وأرجعت “الاستخدام الإيراني المتزايد للمُسيرات، إلى كونها ناجعة جدا، بسيطة الاستخدام والإنتاج، وغير باهظة الثمن على نحو خاص، ومن ناحية عملياتية؛ دقيقة، صعبة جدا على الاكتشاف بسبب طيرانها المنخفض، أقل من تغطية الرادات، وليس سهلا اعتراضها”.
وذكرن أنه “من ناحية استراتيجية، حقيقة أن إيران يمكنها أن تطلق طائرات من غير أراضيها، تسمح لها بأن تطمس مشاركتها في العمليات، وبالتالي لا تجر رد فعل عسكري ذي مغزى”.