التكيف الاستعماري مع الهزيمة في سورية واليمن
غالب قنديل
تعتمد الإمبراطورية الأميركية في التكيف مع هزائمها وخيباتها وانكسارات حروبها العاثرة أحط أنماط النفاق والخداع وتلجأ إلى ضروب المخاتلة والمناورة فتختبئ المؤسسة الحاكمة بكل خبث خلف أقنعة السلام ومزاعم التهدئة بعد انهزام مغامراتها العدوانية الدموية وانكشاف جرائمها اللصوصية وتمد الأيدي الملطخة بدم الضحايا خلف قفازات الدبلوماسية والمبادرات لإخفاء مسؤوليتها عن طوفان الدم والخراب ولمحاولة التكيف مع الهزيمة بعدة نفاق ودجل لها مفرداتها وأجهزتها.
أولا تنتج الغزوات الاستعمارية مفرداتها وقواميسها وتنتقي أقنعة سياسية وحقوقية بصورة انتهازية غب الطلب وتظهر بعد جولات التكشير عن الأنياب والهجمات المشحونة بالغطرسة والاستعلاء فصائل الدبلوماسية والوساطة بكلامها المعسول وما تناوب الحزبين ورموزهما في الداخل الأميركي سوى مظهر لتعديل تكتكي تقرره المؤسسة الحاكمة وتصعد رموزه في مواقع القرار تبعا للتوازنات وأخرق واهم من يقرأ السياسة والمواقف الأميركية خارج هذا الفهم المسند بحبرات التجارب والشاهد في حصاد الدم والرماد والنيران في ميادين المشرق العربي.
طبعا من الفطنة أن يغلب الشك والظن السيء ازاء أي بادرة اميركية وغربية في منطقتنا ودماء الشهداء والضحايا ما زالت على الأرض وعلى انياب غول الحرب الغربي اللصوصي ولكن دون أن نغفل عن حقيقة ما حفرته التضحيات والبطولات من تغييرات جوهرية في التوازنات بما يرغم أي حكومة غاشمة على الرضوخ وتعديل الاتجاه وهذا دأب الاستعمار بعد الهزائم وهي سيرة تختصر فصولا حاسمة من تاريخ المنطقة والعالم الثالث منذ عقود.
ثانيا ما نشهده في سورية واليمن هو فصول ووقائع من مرحلة ما بعد الحروب الاستعمارية الخاسرة مع المفارقة الجغرافية والظرفية لكن تزامن الحربين والهزيمتين يحمل العبرة وهو بشارة تحول قومي كبير لن يبقى ارتداده وإشعاعه محصورا في بلدين وساحتين ويوم اعتبرنا بشارة اليمن خبرا سعيدا للمقاومين بين المحيط والخليج كنا نشير إلى معاني الحدث الذي نقل موطن الأحرار الشجعان إلى الصدارة وجعله مركز الاهتمام كما هي قلعة المقاومة والتحرر القومي سورية قلب العروبة ونبض الأمة مصداق الحديث الشريف عن يمنها وشامها على عهد نهضة مستحقة وقيامة مقدرة بقوة التاريخ وبإرادة الأحرار المقاومين الذين ينطق بلسانهم القائد نصرالله ويسدد بحكمته بوصلة المواقف ووجهة السواعد المتحفزة للقتال والبناء التحرري وفي اقتحام المستقبل الواعد.
يتقدم النهوض السوري ويقطع أشواطا بخطوات متسارعة مع بسط سيطرة الدولة الوطنية وقواتها المسلحة على بعض الأنحاء الطرفية والجيوب العميلة التي تمثل ادران العدوان الاستعماري وسيتكفل بخنقها واستئصالها جيش مفاتل أثبت جدارة نوعية وتمرسا في شتى صنوف القتال وطوع تقنيات الحرب والسلاح في الميدان بكل جدارة.
ثالثا جميع الوقائع والمعطيات ترجح وقوع ذلك التحول التاريخي الذي تخشاه الدوائر الاستعمارية وتتوجس من تفاعلاته الأكيدة ويقينا إن المقاومة البطلة بقيادة حزب الله ستكون واسطة العقد بين قلعة العروبة في شامها وقلعة الأحرار في يمنها وما بين القلعتين قوس انتصار وعرس نهضة ستضج بأصدائه احتفالا وابتهاجا سائر أرجاء الوطن العربي وما بعد هذا التحول غير ما قبله لأن فعل الدومينو اليمني سينطلق في الخليج اعصارا جارفا من التحولات ويزعزع دعائم الهيمنة واحتياطيها الأمني والسياسي ومعها طوابير الأبواق الإعلامية السامة بينما ينهض الواقع القومي الجديد على كتف القيامة السورية التي تمثل القلب في تاريخ العروبة ومسارها.
عندما ينتقل المستعمرون في تدخلاتهم وغزواتهم واحتلالهم إلى القتال التراجعي ويختبرون طرقا وأساليب قديمة ومستجدة في التحايل لستر الهروب والاندحار فذلك يعني حقيقة واحدة هي الهزيمة وانتصار الشعوب المستهدفة ذلك ما تعلمنا التجارب ويؤكده المنطق العلمي وكل ما نشهده اليوم يؤذن بذلك الانعطاف التاريخي الوشيك.