من الصحافة الاميركية
تساءلت واشنطن بوست عن الاستقالة التي قدمها المبعوث الخاص للإدارة الأمريكية إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، وقالت إنها ربما تكون “إقالة”، بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والفوضى التي رافقت العملية.
وقالت الصحيفة في تقرير إن خليل زاد قدم استقالته لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، لكن إدارة بايدن أبقته في منصبه 9 أشهر، وقال في رسالة الاستقالة: “قررت أنه الوقت المناسب، ونحن ندخل مرحلة جديدة في سياستنا في أفغانستان”.
وشددت الصحيفة على أن رحيل خليل زاد، “كان مسألة وقت”، وسيحل توم ويست، نائبه محله كمبعوث خاص للإدارة إلى أفغانستان.
وكان تعرض خليل زاد لانتقادات مكثفة، بمن فيها الإدارة الحالية لأنه “تنازل عن الكثير مقابل القليل. لكن المبعوث المولود في أفغانستان أكد أن الاتفاق لا غبار عليه مع أنه قاد لسيطرة طالبان على السلطة في آب/ أغسطس. ولكن الخطأ هو ضغط الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب وبايدن للخروج من أفغانستان حسب أشخاص على معرفة بمواقفه”.
وكتب في رسالة استقالته: “التزم الطلاب (طالبان) بعدم السماح للجماعات الإرهابية بمن فيها القاعدة التخطيط لهجمات ضد الولايات المتحدة أو حلفائنا ووافقوا أيضا على عدم السماح للإرهابيين، بتجنيد وتدريب وجمع الأموال في المناطق التي يسيطرون عليها. ووافقوا أيضا للتفاوض على تسوية سلمية مع الحكومة الأفغانية الموجودة والتوصل لاتفاق تشارك بالسلطة، ووقف إطلاق النار، شامل ودائم، وكجزء من الحزمة وافقنا على سحب قواتنا على مراحل وخلال 14 شهرا لو التزمت طالبان بتعهداتها”.
وكجزء من الاتفاق الذي وقعه خليل زاد مع ملا عبد الغني برادار، الذي عين الآن نائبا للحكومة المؤقتة في كابول، وافقت الجماعة على عدم استهداف القوات الأمريكية لو التزمت بالجدول الزمني وسحب “كل القوات” بحلول الأول من أيار/ مايو 2021. ورغم تمديد بايدن الموعد إلى 11 أيلول/ سبتمبر وأنهى الخروج بحلول 31 آب/ أغسطس إلا أن الانسحاب هو جزء من الاتفاق.
وكتب خليل زاد: “لم يحدث تقدم على الترتيب السياسي بين الحكومة الأفغانية وطالبان حسب التصور” مضيفا أن “الأسباب معقدة وسأكشف عن أفكاري حول هذا الموضوع في الأيام والأسابيع المقبلة، بعد مغادرتي الخدمة الحكومية”. وتساءل “عن أهداف الاستراتيجية الأمريكية في المرحلة الجديدة”، وقال إنه يخطط “للمساهمة في النقاش والجدال ليس حول ما حدث ولكن عما يجب عمله لاحقا”.
نشرت صحيفة “نيويوركر “مقالا للصحفي دكستر فيلكينز، قال فيه إن هناك مفارقة رهيبة في حياة كولن باول، الذي توفي يوم الاثنين، وهي أن أهم لحظة في حياته المهنية لم تأت عندما قاد القوات تحت النار في فيتنام، أو عندما أدار الطرد الناجح للجيش العراقي من الكويت عام 1991، أو عندما أصبح أول مستشار للأمن القومي ووزير خارجية أمريكي من أصل أفريقي.
جاءت تلك اللحظة على منصة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في عام 2003، عندما طرح باول، الذي كان حينها وزير الخارجية، قضية غزو العراق، بناء على استنتاج مفاده أن صدام حسين كان يمتلك أسلحة نووية، وبيولوجية، وأسلحة كيماوية، وبالتالي كان لا بد من الإطاحة به بالقوة. الصورة الدائمة من تلك اللحظة هي عندما وقف باول يحمل قنينة صغيرة فيها مسحوق أبيض، والذي كان يمثل ما كان من المفترض أن يكون مسحوق الجمرة الخبيثة الذي يملكه صدام، ورهن سمعته المحترمة ومصداقية الحكومة الأمريكية، وأخبر العالم أنه ليس لدى أمريكا خيار سوى الذهاب إلى الحرب. وقال باول لمجلس الأمن: “زملائي، كل بيان أدلي به اليوم تدعمه مصادر ومصادر قوية.. ما نقدمه لكم هو حقائق واستنتاجات تستند إلى معلومات استخبارية قوية”.
بالطبع عندما اكتشفت البلاد بشكل مؤلم خلال الأشهر العديدة التالية، لم تكن الأسلحة الخارقة التي يُزعم أن صدام كان يملكها أكثر واقعية من سراب الصحراء، واتضح أن “المعلومات الاستخبارية القوية” التي قدمها باول في ذلك اليوم كانت في الغالب تخمينا وافتراضا، بناء على التقارير المعاد تدويرها من المنشقين العراقيين، الذين لديهم دوافع خاصة بهم.
تبين أن أسلحة الدمار الشامل لم تكن موجودة هناك، ولكن كان هناك 165 ألف جندي أمريكي، وأدى الاحتلال الكارثي للعراق الذي أعقب ذلك إلى نهاية مخزية للحظة فريدة من الهيمنة الأمريكية والهيبة العالمية، والتي كان باول فعل الكثير لتحقيق ذلك.
كانت المأساة شخصية أيضا؛ حيث يمكن القول إن باول كان أشهر جندي في أمريكا، والذي بدا وكأنه تعلم درسه الرئيسي من النجاة في فيتنام والمساعدة في إعادة بناء جيش أمريكا المحطم، وهو تجنب احتلال بلد أجنبي بأي ثمن، والذهاب إلى الحرب فقط عندما يكون ذلك أمرا لا مفر منه تماما. واعتبرت عقيدة باول، كما أصبحت تعرف، أنه عندما تفرض الحرب على أمريكا، لن تفعل ذلك إلا بقوة عسكرية ساحقة كافية لتدمير العدو، وإنهاء العمليات القتالية بسرعة: لا تكرار لحرب فيتنام.
لخص باول نظرته العسكرية للعالم في بداية حرب الخليج، في عام 1991، عندما وصف ما كان يخطط لفعله بجيش صدام في الكويت: “أولا سنقطعه [بقطع خطوط الإمداد]، ثم نقوم بقتله”، وهو ما فعله. إنها مفارقة قاسية في مسيرة باول المهنية، أنه وظف المصداقية التي جناها لعودة أمريكا الخاطئة إلى العراق بعد ذلك بعشر سنوات.
ماذا حدث في ذلك اليوم في الأمم المتحدة؟ لم يتحدث باول عن ذلك كثيرا، لكن صديقه والمقرب منه لورانس ويلكرسون فعل ذلك.
في مقابلة خلال ذروة حرب العراق، في عام 2006 أخبرني ويلكرسون، الذي كان رئيس أركان باول، أن باول كان متشككا بشدة في جهود إدارة جورج بوش الابن لدفع البلاد إلى الحرب، وأنه عندما تم اللجوء إليه لإقناع الأمم المتحدة بالغزو ، أصر على فحص الأدلة بنفسه. في الفترة التي سبقت العرض في نيويورك، اجتمع باول وويلكرسون مع اثنين من كبار مسؤولي المخابرات في البلاد في المقر الرئيسي لوكالة المخابرات المركزية -مدير الوكالة، جورج تينيت، ونائبه، جون ماكلولين- لمراجعة الأدلة على امتلاك صدام لأسلحة دمار شامل.