دماء الشهداء تستحق محاسبة العصابة
غالب قنديل
في ملابسات المذبحة ما يشي بخيوط تخطيط مسبق، وتحضير محكم. وينطبق عليها وصف الجريمة المنظّمة، والتدبير الاحترافي للقتل في وضح النهار بدم بارد. وقد وردت في التغطيات الإعلامية وقائع وملابسات تؤكد الظن، وتشي بملامح المجرم، وتؤكد هويّته وبصمته النافرة.
أولا: ظهرت قرائن تؤشر إلى قوة للجريمة المنظمة تنتحل الصفة السياسية، وتتغطّى بأقنعة متعدّدة من سنوات، تقف خلف المذبحة، وغايتها تفجير البلد وإغراقه في حمامات دماء وخراب، وهي تعمل في هذا المخطط الدموي لنسف السلم الأهلي ودكّ الاستقرار في زمن اضطراب وقلق وتوتر، فاقمته الكارثة الاقتصادية والمالية، إنفاذا لتعليمات وأوامر خارجية أميركية صهيونية.. وما يجب أن يكون في نظر العدالة أن ارتكاب جريمة منظّمة ضد الأمن الوطني والسلم الأهلي، وشبهة تورّط الأخطبوط الأميركي الصهيوني في حبكها، يسقطان مفاعيل أي عفو قضائي أو دستوري، كما يبطل فعل القانون الخاص حكما. وبالتالي، فالتحقيق العدلي في الجريمة يجب أن يتقصّى الخيوط والأدلة، ويعاين المسرح من هذه الزاوية، وبخلفية التحسّب لمحاولات حماية المرتكبين وطمس الأدلة والقرائن، لاستكمال جريمة موصوفة بحماية القتلة، وباغتيال العدالة، فيقتل الضحايا مرة ثانية.
ثانيا: حين ينال مجرم فرصة العفو ثم يعود، بعد استعادة أهليته القانونية، فيرتكب جريمة مماثلة لأفعاله السابقة، يقتضي العرف والقانون أن يُحاسب بالشدّة وبعقوبات مضاعفة، علّه يرتدع، ويُوضع الحدّ القاطع الفاصل لإجرامه. فكيف إن كان يعرّض الأمن الوطني والسلم المجتمعي لزلزال وانشطار خطيرين؟ والعقاب لا بدّ أن يتناسب مع الجريمة ومفاعيلها وتداعياتها. وإذا كان قد استهلك جميع مهل إثبات الأهلية المجتمعية والوطنية، وأهدر الفرص التي مُنحت له بإثبات عدم الجدارة بثقة المجتمع والبلد بصدق توبته، التي لم يعلنها يوما، ولا حتى مواربة، وجرائمه السابقة صارخة دموية وبشعة، يشهد بها تاريخ أسود، يفيض عمالة وإجراما وتوحشا وبطشا بالأبرياء، وهذه قرائن تحضر في خلفية المعاينة مع الارتكاب المتكرّر لجرائم لا يمحوها من ذاكرة الشعب والوطن مرور الزمن، ولا مسامحة ذوي الضحايا والشهداء والمصالحات السياسية التي عبرت في مسار التحوّلات ومحاولات التكيّف القسري مع الظروف.
ثالثا: إن مسؤولية منع الفوضى وتثبيت الاستقرار تفرض الحزم في التعامل مع المجزرة الجديدة، ومنع التأثير على سير التحقيق ومحاولات حرف مجراه وتحوير نتائجه، لأن ذلك سيكون فعلا جرميا مكرّسا لحماية المرتكب وتحصينه ضد الحساب المستحق. بل ينبغي إطلاق التحقيق والمحاسبة من عقال الحسابات والمسايرات والتأثيرات ومحاولات التحوير والتأخير، وتحصينهما ضد الضغوط. وسيكون على السلطات كافة أن تسخّر جهودها لهذه الغاية، إذا أرادت الجهات العليا في البلاد أن تحمي السلم الأهلي والوحدة الوطنية، وعدم تعريضهما لمحنة خطيرة ومكلفة. وسيكون لزاما على المجلس النيابي مناقشة الملف واتخاذ القرارات المناسبة، حتى لو اقتضى الأمر إصدار توصية عاجلة أو قانون خاص لإحقاق الحق وإنزال العقاب بالمجرمين، الذين وضعوا لبنان كلّه على كف عفريت، وقامروا باستقراره ومصيره.