نصرالله صوت الناس وسيف الحق
غالب قنديل
قضية النيترات فجرت المرفأ، وكادت تحرق بيروت للمرة الثانية في هذا العصر بعد الاجتياح الصهيوني عام 1982، وخلفت الشهداء والضحايا. بينما استمر محجوبا عن لبنان، بقرار أميركي، بيان الأقمار الصناعية عن حركة الطيران في لحظة التفجير. ما يطرح الريبة المشروعة عن حلقة خطيرة أخفيت عمدا، وباتت خارج التحقيق القضائي والإعلامي معا، وغُيِّبت أصلا عن الاهتمام الرسمي.
أولا: وحده السيد نصرالله يتحدث بوجدان الوطن والشعب، وينطلق بحساسية التعاطف مع ذوي الضحايا والمتضررين. وهو إنسانيا ووطنيا، يتميز بترفّعه ونزاهته وضميره الحي في معالجة القضايا الشائكة والخلافية، عندما تمسّ الشأن الوطني العام، فلا ينحاز أو يخاتل أو يتجرّد من نزاهة المعاينة ونبل الموقف والحكم العادل. وهو في مكانته الوطنية وصفاته الفقهية يملك حصانة المشترع العادل والقاضي النزيه، ويعرف عنه القاصي والداني كلّ الحزم والشدّة في رفض الظلم على القريب أو البعيد، والوقوف على حدّ السيف مع الحق والعدل. ومن البديهي والطبيعي أن يعلن قائد المقاومة رفض التسييس وممارسة الضغوط على القضاء والتدخّل في مسار التحقيق، وأن يرفع الصوت بعدما تكشّفت مصادر الريبة وتضاعفت إثر المعلومات المتداولة عن تدخلات وضغوط أميركية وسعودية، مباشرة وبالواسطة، يتعرّض لها القضاء في هذا الملف، بغضّ النظر عن تفاصيل الوسائل والأدوات، التي تتحصّن بصمت وتغافل قضائي يفاقم الشكوك.
خطير جدا صمت القضاء عن مداخلات سفارات أجنبية معروفة بأنها تمثّل دولا لديها خطط ومصالح واضحة باستباحة البلد، وتدمير مقدراته وإمكاناته، وتركه كسيحا ينازع. وما أبشع المشهد حين يكون اغتيال الوطن والعدالة معا عبر تحقيق قضائي، فسلام الله على النزاهة والحصانة والسيادة.
ثانيا: إن الطابع الوطني للقضية اقتضى من سيد المقاومة وضع النقاط على الحروف بكلّ وضوح، ولفت الانتباه إلى انحرافات خطيرة تعصف بميزان العدالة في البلد، بحيث يقود التغاضي إلى تفاقمها، وتحويل قصور العدل لبيوت مظالم وتنكيل واستنساب باسم القانون الجاري تحويره وحرفه وتشويه مسار تطبيقه.
الأخطر من جميع التدخلات المحلية، التي كانت تتكرر وتُستعاد تقليديا مع تكرار الشكاوى من انحرافات القضاء، تحت تأثير التوسّط السياسي الدارج على سائر النزاعات التقليدية والقضايا المرفوعة أمام المحاكم، ولكنّ تدخّل السفارات والدول الأجنبية في سير التحقيقات يرجح الشكّ والريبة بالقاضي وقراره، بعيدا عن العدالة، طالما ابتعد بمشيئته عن نزاهة واستقلال القرار القضائي السيادي، وقبل مداخلة سفارة أجنبية ودولة معروفة الأطماع والمصالح والأهداف. وهذا بذاته يُسقط الحصانة السيادية لعمله، بوقوعه في أسر الوصاية والتأثير الأميركي. ومطالعة السيد في تفاصيل الملف كانت تنطوي على مفاصل كاشفة لعيوب التحقيق، من أخطرها وأهمّها تجاوز حلقات طلب الاستماع إلى الرؤساء والوزراء، الذين تعاقبوا على المسؤولية، ورغم مجاهرة بعضهم بأن لديهم معطيات ومعلومات، ورغم ذلك صُمّت آذان العدالة، ولم يجد القاضي في ذلك ما يقنعه بطلب إفاداتهم، واستبيان ما لديهم دون أي تفسير أو تعليل. وهو بذلك تعسّف في استعمال حقّه الاستنسابي.
ثالثا: المسألة الفاضحة التي أثارها السيد نصرالله، هي استهداف الرئيس حسان دياب. وقد برهن على أنها تثبت طلاق التحقيق مع روح العدالة ومعيارها وميزانها، وتعسّف المحقق في الاستنسابية الغرضية. ولم تكن تلك الإشارة فعل انحياز سياسي بل نتيجة لمعاينة القضية بروحية العدالة ونزاهة الحكم على الأفعال والمواقف. والشخصية المستَهدفة مجرّبة باعتراف الخصوم قبل الأصدقاء، وهي ليست من حلفاء حزب الله ومعسكره السياسي، رغم تمثيل الحزب في حكومته، التي دعمها السيد، وانحازت إليها كتلة الوفاء للمقاومة. وهي لم تتطرف عن مضمون ما درجت عليه الحكومات السابقة في تأكيد الثوابت، لكن سيد المقاومة بنزاهته وبروح العدالة يرفض التعسّف بحق شخصية وطنية مسالمة بعيدة عن سلوكيات الكيد الشائعة، بينما تجري محاولة لاستضعافها والتنكيل بها.
المرافعة التي بسطها نصر الله، هي وثيقة حقوقية ووطنية، تستحق الدراسة والتعميم، واستخراج التوصيات التنفيذية في التعامل مع الملفات والقضايا، التي أثارها من موقعه المسؤول. ويقينا إن تدارك مصادر العيوب والاختلال في السلطة القضائية، هي مهمة عاجلة، وتقع في صلب أيّ توجه وطني للإنقاذ والإصلاح، بدلا من ترك ثغرات التدخّلات الأجنبية مفتوحة مباحة، على حساب السيادة والعدالة، التي لا تستقيم في هيكل مخلّع يستبيحه المستعمر المعروف جهارا بوقاحة تشابكه مع الصهاينة الغادرين والطامعين، على حساب الكرامة الوطنية ومقوّمات الاستقل ال والسيادة.