من الصحافة البريطانية
قال موقع “ميدل إيست آي” البريطاني إن الكثير من المنشآت السرية التي تستخدم لإخفاء الثروة عن أعين الرقيب، إنما صنعت في عهد الإمبراطورية البريطانية وترتبط بالشرق الأوسط.
وفي تقرير لبول كوتشرين، تابع الكاتب أنه “بينما احتفظت بريطانيا بصفتها الجذابة كملاذ آمن لتكديس الثروة ولشراء العقارات دون الإعلان عن هوية المالك الحقيقي لها، نحتت دبي لنفسها موقعا خاصا بها، مستفيدة بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتباطاتها التاريخية مع لندن”.
وأضاف أنه “بينما تداعت أركان الإمبراطورية، راحت لندن تركز على ممالك الخليج الثرية بالنفط؛ نظرا لأن المنطقة ظلت نطاقا بإمكان بريطانيا ممارسة النفوذ داخله، وحشد الدعم لقطاع الأعمال فيه”.
منذ مغادرة الاتحاد الأوروبي، تبحث الحكومة البريطانية عن وسيلة لتعزيز صورتها داخل البلد وخارجه، من خلال سلسلة من التمارين في مجال العلاقات العامة، بما في ذلك الحملة الدعائية بعنوان “بريطانيا بلد عظيم”، الذي صمم من أجل “ترويج بريطانيا الخلاقة والمبدعة لدى المستثمرين الأجانب”.
الأمر الذي يمر بلا ذكر، هو ما تملكه بريطانيا من موهبة طورتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، غدت بسببها مركزا ماليا، وملاذا ضريبيا، وميسرا للنشاطات المالية العالمية.
وهو وضع قامت بريطانيا وتوابعها بترسيخه منذ انحطاط البلد بعد التراجع الفوضوي من المكانة الإمبراطورية.
كانت قواعد الكيانات التي تستخدمها النخب السياسية وأصحاب الثراء الفاحش، كما تكشف أوراق باندورا بغية التهرب من الضرائب ومن الرقابة، قد تشكلت في وقت أبكر بكثير، في أثناء الإمبراطورية البريطانية ذاتها، وكان لذلك علاقة بالشرق الأوسط.
فقد قررت المحاكم البريطانية في عام 1876 بأنه لا ينبغي فرض ضرائب على أي شركة، إلا في البلد الذي يتم فيه التحكم بتلك الشركة، مما أتاح الفرصة للتمييز بين المكان الذي تسجل في الشركة والمكان الذي تمارس فيه نشاطها.
كانت تلك بداية اتفاقيات الضريبة المزدوجة، حيث تختار الشركة المكان الذي ترغب في أن تخضع للضريبة فيه، وكان ذلك دوما هو المكان الذي تدفع فيها ضرائب أقل.
كانت تلك قضية تتعلق بشركة أراضي واستثمارات الدلتا المصرية، التي كانت أول شركة تستخدم تلك الثغرة، والتي اعتبر البعض أنها “حولت بريطانيا إلى ملاذ ضريبي”. قررت إحدى المحاكم في عام 1929 أن الشركة، التي كانت مسجلة في بريطانيا ثم انتقل مجلس إدارتها إلى مصر، لا ينبغي أن تدفع الضريبة داخل بريطانيا.
كما أن الشكل البريطاني المتعلق بالسرية البنكية، هو الآخر تم تطويره في أثناء فترة الإمبراطورية – تحت مسمى الصندوق الائتماني، الذي يكون مالكه المستفيد (أي المالك الحقيقي للأموال) غير معلن وغير معرف للعامة.
تقول ريشيل إيتار فويا كبيرة الباحثين في شبكة العدالة الضريبية التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها: “الصناديق الائتمانية من موروثات الاستعمار البريطاني، وتوجد بأشكال عديدة في المستعمرات السابقة، فهي إما أقيمت بمراسيم صادرة في أثناء الحكم الإمبريالي أو بعد ذلك، عندما كان لبريطانيا نفوذ في الطريقة التي يتم عبرها سن التشريعات والقوانين وتطويرها.”
ثم ما لبث دور بريطانيا في التمكين من التهرب من الضرائب وفي ترسيخ السرية المالية أن تسارع بشكل كبير ما بعد أزمة السويس في عام 1956، عندما كانت بريطانيا في تراجع على المسرح الدولي وكانت الولايات المتحدة في صعود عسكريا واقتصاديا.
أعادت مؤسسة مدينة لندن تموضع دورها المالي الإمبريالي لتصبح سوقا ماليا عالميا، بما في ذلك من أجل التدفقات المالية غير المشروعة وأرباح استخلاص الموارد والبترودولارات.
تقول ريشيل إيتار فويا: “لدى مدينة لندن مجموعة من الأحكام مختلفة تماما عما هو متعارف عليه في بريطانيا، ولديها شبكة عنكبوتية من الملاذات التابعة لها من جزر كيمان إلى جيرسي، وكلها تغذي المدينة. إنها امبراطورية بريطانيا الثانية”.
عندما انتهى الاستعمار بشكل رسمي، ظلت بريطانيا لاعبا محوريا في الأسواق المالية؛ من حيث تمكين الأموال القذرة – أو المال الذي كان ينبغي أن يخضع للضريبة في مكان آخر – من التدفق عبرها.
تقول ريشيل إيتار فويا “إن من النفاق أن تعظ بريطانيا الآخرين حول الحكم الصالح وتمنح الشرق الأوسط مساعدات تنموية، ولكن في الوقت نفسه، تمكن تلك البلدان وغيرها من نقل الأموال إلى كيانات الأوفشور، خاصة أموال النخب السياسية، كما تكشف عن ذلك بجلاء أوراق باندورا”.
تحتل مستعمرات بريطانيا السابقة ومحمياتها موقعا مركزيا في كيفية عمل شبكة العنكبوت هذه. تقع بريطانيا في المركز من هذه الشبكة، ولها نقاط متقدمة متناثرة حول العالم في أماكن كانت ذات يوم جزءا من الإمبراطورية.
طبقا لشبكة العدالة الضريبية، تشكل بريطانيا 16 بالمائة من السوق العالمي في قطاع خدمات الأوفشور المالية. وإذا ما أضيف إلى ذلك مؤشر الملاذ الضريبي للشركات لعام 2021 طبقا لشبكة العدالة الضريبية – الذي يقدر حسب المساهمة التي يقدمونها لمجمل السرية المالية العالمية – تصبح حصة بريطانيا 22 بالمائة من الإجمالي العالمي.
قالت صحيفة الغارديان إن أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، غاضبة من استحواذ صندوق الاستثمارات السعودي على نادي نيوكاسل يونايتد، ودعت لاجتماع طارئ.
وأمطرت الأندية الغاضبة الدوري الممتاز بالشكاوى حول الاستحواذ على النادي، وتدفع باتجاه عقد اجتماع الأسبوع المقبل.
يفهم أن الأندية التسعة عشر الكبيرة الأخرى موحدة في معارضتها للسماح لمجموعة شركات سعودية بشراء مايك آشلي، وتطالب بمعرفة ما الذي تغير حتى يتم الترحيب بالصفقة، ولماذا لم تحط علما مسبقا بذلك؟
مطلب الاجتماع الطارئ لا يتعلق بالسعي لإعاقة عملية الاستحواذ – فقد فات الفوت –، وإنما هو تعبير عن السخط الذي يعتمل في النفوس، بحسب الصحيفة.
وتابع التقرير: “لقد عبرت الأندية عن قلقها من أن سمعة الدوري الممتاز قد تتضرر؛ بسبب استحواذ صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية على حصة قدرها 80 بالمائة من أسهم نيوكاسيل، على الرغم من أن البعض سيستهجن ذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار هوية الملاك الآخرين في الدوري. وكانت منظمات حقوق الإنسان قد انتقدت بشدة الصفقة، خاصة أن صندوق الاستثمار العام – وهو صندوق الثروة التابع للدولة – يقع في قبضة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان”.
وأشار إلى أنه لا مفر من أن وصول مجموعة جديدة من الملاك من أصحاب المليارات سوف يزعج الأندية، التي ترى في الأفق تحول نيوكاسيل إلى ناد منافس جدا، واحتمال أن ينجم عن ثراء سانت جيمز بارك تضخم في رسوم انتقال اللاعبين وفي أجورهم.
وتلقى المدير التنفيذي للدوري ريتشارد ماسترز ورئيس مجلسه غاري هوفمان الشكاوى من الأندية التي لم يكن لديها فكرة عن أن الاستحواذ على نيوكاسيل كان على وشك الحصول على الموافقة. كان قد اقترح بادئ ذي بدء في آذار/مارس 2020، إلا أن مجموعة الشركات سحبت عرضها بعد أربعة شهور، وسط مخاوف متنامية من أنها ستخفق في تجاوز اختبار ملاك ومدراء الدوري الممتاز.
لم يكن الموضوع على جدول أعمال آخر اجتماع للمساهمين عقد قبل أسبوعين. وكان الدوري فعليا قد قطع الطريق على الصفقة في العام الماضي. وقيل في الأسبوع الماضي في محكمة استئناف على التنافس للنظر في النزاع بين آشلي والدوري؛ إن إجراءات التحكيم لاتخاذ قرار بشأن القضية من المقرر أن تبدأ في الثالث من كانون الثاني/يناير.
يقال إن الأندية علمت من خلال وسائل الإعلام يوم الأربعاء عن الاستحواذ الوشيك، وتلقت تأكيدا من الدوري عبر رسالة إلكترونية في الخامسة والثلث من مساء يوم الخميس. وكان ذلك هو الوقت نفسه الذي أصدر فيه الدوري بيانا صرح فيه أن الصفقة تم إبرامها، وأنها “حصلت على ضمانات ملزمة قانونا بأن المملكة العربية السعودية لن تتحكم بنادي نيوكاسيل يونايتد”.
وأكدت الصحيفة أنه “ما من شك في أن الدوري سيشير إلى أن أمورا تتعلق بالسرية والإجراءات القانونية، حالت دون الإفصاح عن التطورات في موضوع نيوكاسيل. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم من خلال التصويت بين الأندية إجازة اختبار ملاك ومدراء الدوري الممتاز”.
وكان محامي الدوري آدم لويس قد صرح بأن الصفقة كانت ستمضي قدما، إلا أن أحدا لم يتوقع أن تتم بهذه السرعة. قال لويس: “إذا ما قرر التحكيم بأنه لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تكون مديرا، فإن المعاملة ستمضي قدما بدون الحاجة إلى تطبيق اختبار ملاك ومدراء الدوري الممتاز”.
منذ ذلك الحين رفعت المملكة السعودية الحظر الذي كان مفروضا على بي إن سبورت القطرية، ووعدت بإغلاق مواقع القرصنة التي تعرض مباريات الدوري الممتاز لكرة القدم داخل البلد. والأهم من ذلك أنها تمكنت من إقناع الدوري أن الدولة لن تتدخل في الإدارة اليومية لشؤون نادي نيوكاسيل. إلا أنه ثمة قلق شديد داخل النادي إزاء ما إذا كانت ستفي بما تعهدت به.
كما أثار الاستحواذ على نيوكاسيل ردود فعل داخل الوسط السياسي. رغم أن حزب العمال قال إن الصفقة سوف تزعج الكثيرين من المشجعين، إلا أنه لم يطالب بوقفها، وطالب بدلا من ذلك بوضع نظام ضبط جديد في أسرع وقت ممكن. سوف يكون ذلك في الأغلب قائما على التقرير حول إدارة كرة القدم، الذي تعده حاليا هيئة يترأسها عضو البرلمان عن حزب المحافظين ووزير الرياضة السابق تريسي كراوتش.
قالت وزيرة الرياضة في حكومة الظل أليسون مكغوفيرن: “في آخر المطاف نحن أمام إخفاق ذريع في الطريقة التي تدار بها شؤون كرة القدم. ولقد طالب حزب العمال منذ سنين بتعيين منظم مستقل حازم، ونرجو أن يترتب على نشر تقرير كراوتش مثل هذا الإجراء، الذي تأخر كثيرا”.