نهوض سورية بعد العدوان ولبنان
غالب قنديل
تتلاحق مؤشرات التعافي السوري، وبشائر نهوض سياسي واقتصادي مقبل يثير الكثير من التوقّعات بعد سنوات دامية، طَبّقت خلالها الإمبراطورية الأميركية ومنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية خطة غير مسبوقة لتدمير الدولة والمجتمع، والتخلّص من مفاعيل الدور السوري الإقليمي، الذي جسّدته دمشق في نسج وإدارة محور المقاومة، الذي غيّر البيئة الإقليمية .
أولا: شهدت العشرية الماضية أخطر فصول الغزو الاستعماري للشرق، عبر حرب تدمير وإبادة داخل سورية وطوق خانق دولي – إقليمي. وقد أرادت الولايات المتحدة ودول الغرب والعدو الصهيوني والحكومات العميلة، التي تورّطت في العدوان أو دفعت إليه بالأمر الأميركي، التخلّص من قوة عربية مشرقية صلبة مستقلة وطموحة، أفشلت فعلها السياسي ونموها الاقتصادي، وأغرقتها في خراب ودماء. وقد نُشرت تقارير مذهلة عن عشرات الجنسيات، التي تشكلت منها جحافل الإرهاب، ولكن سورية صمدت وقاتلت بصلابة، وهي في طريق انتصار ونهوض جديد. بينما يحاول طابور العمالة والانخلاع العربي أن يردّ الفضل في ذلك حصرا، للدعم الإيراني الروسي، الذي لا شك في قيمته، لكنّ الأصل في صمود سورية وانتصارها، هو القيادة الصلبة، ومتانة الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها الراسخة والمتجذرة في المجتمع، ورسوخ إرادة الاستقلال، وتجذّر فكرة التحرّر والمقاومة شعبيا، وصلابة الجيش العربي السوري بتكوينه العقائدي وبنيته الكفاحية المقاتلة.
ثانيا: ليس أدلّ على تراكم عناصر انقلاب نوعي لصالح الدولة السورية والرئيس بشار الأسد من تحولات البيئة الإقليمية، التي ظهرت فيها مواقف تسطّر تحولات من موقع الانخراط في العدوان إلى الانكفاء، ثم الشروع في تفكيك المنصّات التي استُخدمت في سياق فصوله. والتحولات الجارية في فضاء المنطقة تَعد بمزيد من رحلات العودة إلى دمشق، التي يتسابق لتحضيرها والتمهيد لها كثير ممّن تورّطوا واستغرقوا في أوهام ورهانات تبدّدت وانتهت، فباتوا في خيبة وارتباك، يسعون لتعويض تأخّرهم بالاتصال عبر وساطات متنقّلة لجسّ النبض حول قبول دمشق بالتعامل معهم مجددا، وكلّ منهم يعرف جيدا مدى ما تورّط فيه من فصول العدوان وجرائمه، والأمر يشمل كثيرا من الحكومات العربية والأجنبية، وبالذات القوى السياسية اللبنانية، التي يخشى بعضها ساعة الحساب، وهم يمضون أوقاتا طويلة في تلمّس وساطات ومحاولات جسّ نبض لموقف القيادة السورية من أشخاص لم يدّخروا لؤما أو قذارة في التآمر على سورية، ولدى الدولة السورية كثير من الوثائق والمعلومات عن مشاركاتهم.
ثالثا: المنطقي أن يكون التعافي السوري فرصة انتعاش لبناني، خصوصا في ظلّ الاختناق الاقتصادي والمالي الخطير، الذي تعاملت معه دمشق بنخوة الشقيق الحريص، وتعالت على الجراح والغصّة والألم الشديد. ورغم سخافات بعض الواقع السياسي والرسمي المتخلّع، الذي ينتظر الإذن الأميركي السعودي بمعاودة الاتصالات وفتح القنوات الرسمية، لكنّ الطابور العميل المتورّط، الذي غاص بالدم السوري وتلطّخت يداه، يبدو مرتبكا، لأنه يدرك استحالة تغطية عار التورّط بكلام معسول عن سورية والعلاقات الأخوية من عدة الشغل القديمة، التي أدمنها الذين سنّوا خناجرهم في أوكار استخبارات أطلسية وخليجية. ولا مجال لتخطّي المأزق بالنفاق المفضوح والدجل المعتاد، فقد تأصلت خبرة القيادات السورية بنماذج الغدر والارتزاق والدجل اللبناني العفن واللاأخلاقي، الذي فضحته المحنة، وكشفت وجوها كالحة كثيرة، سقطت عنها الأقنعة. وينبغي الالتفات إلى فعل الخبرة الشعبية السورية في هذه المحنة الخطيرة، وإدراك ما قام به العملاء والمنخلعون الواهمون لسنوات عشر، ليست فترة قصيرة، ولا تُمحى أثارها بسهولة. ومن البلاهة والعته تخيّل سهولة المسامحة والصفح عن التورّط في تدمير بلد وقتل شعب.
المثير أن أحدا من الساسة اللبنانيين، الذين تورّطوا، لم يبادر إلى الاعتذار العلني، على الأقل ليمهّد الطريق لاستدارة التكيّف. وقد كان لسنوات طويلة قبل المحنة من حَمَلة المباخر وأبواق المبالغة بالتزّلف في إطار محاولة صرف العلاقة مع سورية بمكاسب سلطوية وصفقات وتسهيلات، ثم انهال بالطعنات الغادرة اللئيمة على الشقيقة وجيشها ومؤسسات دولتها الوطنية، عندما توهّم أن انقلابا أميركيا سيطيح بكلّ شيء.