حزب الله فتح آفاقا جديدة وأطلق التحولات
غالب قنديل
تتلاحق مؤشرات التخبّط والخبل والارتباك، وتتردّد الأصداء في دوائر التخطيط والتفكير الأميركية والصهيونية حول المنطقة، ازاء نجاح حزب الله في اقتحام الميدان الاقتصادي وكسر الحصار بنجدة إيرانية، سهّلتها سورية، وتسديد ضربة موجعة لاستراتيجية الخنق الاقتصادي الحصار.أولا: فتحت مبادرات المقاومة آفاقا ومسارات جديدة، عكست الاتجاه، وران الخبل والانشداه على الأميركيين وعملائهم في المنطقة وداخل لبنان، أمام اضطرار بعض القوى اللبنانية المخلّعة والملحقة إلى الرضوخ والإقرار بتفوق النموذج العملي، الذي قدّمه الحزب المقاوم، وخصوصا بعد صداه الشعبي المتفاعل، الذي كان جارفا ومبهرا في طيفه العابر للنسيج الوطني، وولّد بالتالي بيئة وطنية سياسية ومعنوية متعاطفة، تتلاقى على إظهار الاحترام والتقدير لمبادرة طليعية مناسبة في موضوعها وتوقيتها، تثبت ريادية حزب بات داعموه وحاضنوه قوة شعبية عابرة للطوائف والمناطق. ولا يقتصر الصدى المتعاظم شعبيا على فعل كسر الطوق وشجاعة الخطوة، باستحضار بواخر المحروقات، ونقلها عبر الطريق البري من سورية، بل أيضا لدقة التنظيم والاتقان في تأمين مادة حيوية وضرورية لجميع المناطق، بدون أي استثناء سياسي أو طائفي على خطوط العصبيات والحساسيات المعروفة.
ثانيا: قدم سيد المقاومة أمثولة جديدة في التعامل مع التهديدات وتحويلها إلى فرص، ولكن هذه المرة في الميدان الاقتصادي، الذي اقتحمه حديثا ببراعة الابتكار، وثبات الخيار التحرري المعادي للهيمنة الاستعمارية. وهكذا شقّ القائد نصرالله مسارات كسر الحصار وتفكيك طوق الخنق الاقتصادي حول لبنان، ليتشكّل مناخ جديد في البيئة الإقليمية، محوره التسابق على تقديم العروض إلى لبنان، والسعي لشراكات جديدة اقتصاديا في مختلف المجالات. وسرعان ما شرعت تتوارد المعلومات عن خطوات قيد البحث والتحضير، وجسور تتشعب في ميادين تعاون وشراكة مع سورية وإيران والعراق والأردن ومصر، بينما سيطر الذهول على الدوائر الأميركية الصهيونية العاجزة عن اعتراض المسار لتعطيله أو تخريبه، في ظل انعكاس الأزمة وتداعياتها، التي اجتاحت البيئة الإقليمية، وسطوع المبادرة الشجاعة وتفاعلاتها السياسية والإعلامية، التي لا حصر لها أفقيا وعاموديا.
ثالثا: حين تتنامى صروح الشراكة، وتتوسّع ميادين التعاون الاقتصادي الواقعي بين الدول والشعوب، تتشكل أنسجة مصالح وقنوات تفاعل مجتمعي بين البلدان، تحمل قدرة هائلة على تفكيك ترسّبات الماضي، وتذويب الحساسيات، وتبديد المحاذير والمخاوف. وهذا هو النسق الأعمق والأشدّ رسوخا للتكامل العابر للحدود، وهو الوعاء الفعلي الحاضنظن موضوعيا وذاتيا، لأيّ تكامل سياسي أو ثقافي عابر للكيانات. وعلى سبيل المثال، كانت تجربة الشراكة الألمانية والفرنسية تاريخيا مشوبة بميراث من العداوة والتوتّر، قام على حصاد حروب ودماء، لا توازي أمامها شيئا ترسّبات سنوات القطيعة اللبنانية السورية. وما يمكن أن ينشأ بين سورية ولبنان من شراكات ومصالح عابرة للحدود، سيكشف بسرعة الحصاد، ووفرة الثمار مدى قصور معاهدة التعاون والتنسيق الموقّعة بن الحكومتين. وسيفرض الحاجة إلى تعديل أحكامها وتوسيع إطارها، لتضم بقية دول المنطقة.
وعلى النطاق الأوسع أن بلدان المشرق أي سورية والعراق ولبنان والأردن وإيران واليمن ومصر، يمكن أن تتشارك الكثير في قطاع الطاقة وصناعات النسيج والزراعات الصناعية المواكبة، وكذلك في مجال تبادل الخبرات وتكامل المزايا، بما يحقّق وثبة تنموية نوعية هائلة، ستفرض ارتقاء العلاقات السياسية والشعبية والثقافية والحضارية العابرة للحدود.
نُضج إرادة التعاون ووعي المصالح المشتركة القابلة للتحقّق، سيدفع العلاقات بين الناس والحكومات نحو آفاق تتخطى المتخيل، وبهدوء التراكم الطبيعي، الذي يحفر عميقا، ويرسّخ جذور التحولات.