كيف نلاقي مبادرات العراق وسورية وإيران ومصر؟
غالب قنديل
بحكم التقاليد المتوارثة يميل الواقع السياسي والإعلامي اللبناني إلى زجليات المديح أمام المبادرات الأخوية، التي انهالت بخيرها المنعش في لحظة شدة وانهيار واختناق. ويغيب التفكير العقلاني المفيد في كيفية الارتقاء بالشراكة والتعاون الاقتصادي مع الدول التي أظهرت حرصا واستعدادات أبعد من نخوة الغوث في الشدة، وبالأصل بينها وبين لبنان شراكات سياسية واقتصادية ومالية وشعبية قديمة راسخة وميراث، سيكون عنصر جذب وتحفيز لتوسيع مجالات التعاون المثمر، التي تنفتح بقوة أمام لبنان، لو توافرت إرادة حكومية رشيدة قادرة على استثمار المزايا التفاضلية، والتقاط الفرص، وعقد الشراكات المجدية مع الأخوة الذين تلاقوا على إسعاف لبنان.
أولا: من واجب الحكومة اللبنانية أن تقابل المبادرات الأخوية بما يتخطّى الترحيب الكلامي والمجاملات إلى تحضير ملفات التعاون والشراكة الممكنة في جميع المجالات، والمسارعة إلى التمهيد لاجتماعات ثنائية منفردة بداية، قبل توسيع الدائرة نحو لقاءات جماعية، يتطلب عقدها تذليل بعض الصعوبات، وبلورة اقتناع مشترك بفكرة بناء تكتّل إقليمي أو منظمة تعاون مشرقية، سيكون واجب لبنان الرسمي الاشتغال عليها بهدوء، ومن غير استعراض أو تضخيم شعاراتي. ومن المفيد التحلّي بالتقاليد التي تميّز حياكة السجاد الإيرانية، وحرف النسجاين في بلاد الشام، وتقنيات الحفر والنقش في الخشب والنحاس التي تتلاقى عليها حضارات الشرق القديم من وادي النيل إلى ما بين النهرين وبلاد الشام.
هذه الدول المشرقية تتلاقى اليوم على نجدة لبنان وتقديم الفرص والتسهيلات لكل ما يمكن اعتباره متنفسا اقتصاديا من الكارثة التي حلت به. وهي واقعيا مناسبة لتطوير الشراكات المجدية بين الأشقاء أنفسهم، عبر لبنان ومعه، بمنطق المصالح المشتركة المتشابكة والمتداخلة.
ثانيا: إن الآفاق المتاحة لتطوّر الشراكات الإقليمية الجديدة والقديمة حول لبنان، تنطوي على فرص نمو وتقدّم اجتماعي واقتصادي، وهي اليوم نوافذ إغاثة وإسعاف. وكلما كان العمل الجدي أفقيا وعاموديا في تحقيق التشابك، وترسيخ ورعاية الشراكات المنتجة غير السطحية أو المظهرية، ستكون وتائر النمو والتطور قوية وعميقة الأثر بائنة الجدوى. وهذا ما سيعزز بالتالي، الحماسة والاندفاع عند جميع الحكومات والشعوب المعنية، ويوفّر حصانة متزايدة للخطوات المتّخذة. ولنتعلم من التجارب التاريخية أهمية تقديم الإنجازات العملية والعميقة في بناء الشراكات على الشعارات الضخمة والطنانة. فالاتحاد الأوروبي انطلق من معاهدة حول الحديد الصلب، شكّلت نواة السوق المشتركة، واللبنة الأولى في بناء صرح قارّي عملاق، بحصيلة التقارب السياسي والثقافي، بعد عهود دامية من الحروب والصراعات والتناقضات. وتبدو الأمور في منطقتنا أيسر سبيلا وأقل تعقيدا بما لا يقاس، وإذا توافر الوعي والإرادة سنخطو بسرعة قياسية في طريق التقدّم الاقتصادي والحضاري عبر التكتّل المشرقي.
ثالثا: نوجّه دعوة عاجلة لوسائل الإعلام الوطنية ولقادة الرأي من كتّاب ومثقفين وخبراء إلى أوسع حوار ممكن في هذه المواضيع وحولها، لوضع مشروع أجندة وطنية حول الشراكة المشرقية، وبدء تحرّك هجومي، لحث الجهات المعنية على المبادرة إلى دعوة الحكومات المعنية للحوار والتلاقي، من أجل التفاهم على أجندة مشتركة وروزنامة تنفيذية بشعارات متواضعة، تعطي الأولوية لشقّ مسارات جديدة في تاريخ المنطقة وشعوبها ومصائرها، وترسمل، بالحصاد العمليّ المتاح، رصيدا وقوة دفع للتقدم نحو آفاق التعاون والتكتّل الأوسع والأعلى مردودا.
موقع لبنان ودوره القيادي في المجموعة المشرقية قابل للتطوير والتحصين في الظروف الحاضرة، وهو يجمع ميزتين تاريخيتين، توفران جاذبية سياسية وشعبية. فلبنان حصن المقاومة وقلعة التحرّر، هو نفسه بلد الإشعاع الثقافي والحضاري والفني، ومهد التنوّع، ونافذة الاستثمار والفرص المجزية، وينبغي علينا رسم خطّة ابداعية لتوظيف المزايا التفاضلية في تخطّي الكارثة، وجذب الأشقاء إلى الشراكات المرجوّة.