“العدالة والسياسة”: قفزة هائلة إلى الأمام في عالم الوثائقيات حول هجمات 11 سبتمبر
كثيرة هي الأفلام الوثائقية التي تستذكر هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها في هذه السنة وأكثر من أي وقت مضى، ولكن قلة منهم فقط كانت لديهم الجرأة الكافية للتعامل مع هذا الحدث من منظور سياسي وعدالي يشمل الجناة والمسؤولية الملقاة على عاتق الإدارة الأميركية.
بالنظر إلى هذه الأفلام الوثائقية، تناول بعضها المشاهدات التاريخية من وجهة نظر مسؤولين حكوميين، واستذكر البعض الآخر تداعيات الهجمات على حياة الأطفال والأبطال الذين استمروا في السعي للحصول على تمويل للرعاية الصحية …
واحد من هذه الأفلام الوثائقية فقط جاء بمنظور مختلف في الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001.
“العدالة والسياسة” هو عنوان لفيلم أنتجه “مايكل” غيّر الصورة النمطية السائدة في عالم الوثائقيات حول هجمات سبتمبر حيث تناول المنظور الذي دافع معظم الأمريكيين عنه ومن أجله أطلقوا قانوناً لمقاضاة المرتكبين والمتورطين إلا أنهم تعرضوا للتجاهل من قبل رؤساء الولايات المتحدة اللاحقين وجماعات الضغط بحجة أن الحقيقة يمكن أن “تُعرّض العلاقات الجيدة مع المملكة العربية السعودية للخطر”.
لم تنجُ هجمات أيلول، والتي قُتل فيها ما يقرب من 3000 شخص عندما صدمت 3 طائرات مخطوفة مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع، وتحطمت طائرة رابعة في حقل في بنسلفانيا، من الغطرسة السياسية التي نشهدها في أمريكا. وقد أدى ذلك اليوم إلى أزمة عدالة أخرى أكثر سوءاً.
ففي حين قطع الرئيس الأمريكي جورج بوش وعداً بهزيمة القاعدة والجماعات الارهابية الأخرى بعد الهجمات مُطلقاً هدفاً جديداً للولايات المتحدة بعنوان “الحرب على الإرهاب” وبالرغم من إشعال حربين في العراق وأفغانستان أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين ، وإنفاق تريليونات الدولارات، لا يزال التهديد بشن هجمات على الولايات المتحدة يلوح في الأفق. وفي حين تم أسر أو قتل العديد من قادة القاعدة الذين استهدفتهم الولايات المتحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر – وأشهرهم أسامة بن لادن ، الذي قُتل في غارة أمريكية على مجمعه في باكستان في عام 2011 – ظل تنظيم القاعدة صامدًا ، مع انتشار الجماعات التابعة لها في ما لا يقل عن 17 دولة.
كما حذر الخبراء من أن سيطرة طالبان على أفغانستان يمكن أن يزيد من قدرة الجماعات المناهضة للولايات المتحدة على التنظيم والتكاثر بطريقة لم تكن قادرة عليها منذ سنوات ، وهو أمر شهدناه بقوة في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية.
ويركز فيلم “العدالة والسياسة” لمايكل على قانون JASTA (العدالة ضد رعاة الإرهاب) ، وهو قانون اتحادي تم تمريره في العام 2016 للسماح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الحكومة السعودية والأفراد لدورهم في هجمات 11 سبتمبر / أيلول الإرهابية، ويجمع بين الأدلة وتحليل البيانات والرؤى الشخصية لاستخلاص الحقائق المثبتة لأهم قضية في تاريخ الولايات المتحدة.
يتخلل الفيلم الوثائقي مقابلات من الولايات المتحدة مع المحامين والمستجيبين الأوائل والشهود، ويكشف أخطاء الإدارة الأمريكية والتناقضات والفرص الضائعة في الفترة التي سبقت أحداث 11 سبتمبر.
ويجري معد الوثائقي مقابلات مع أوائل المستجيبين، الذين قدموا مشاهداتهم مرة أخرى – وبعد 20 عامًا – وهم يستذكرون المأساة وضلوع السعودية في العمل الإرهابي ويطالبون بتحقيق العدالة ضد الدولة التي قدم أعضاؤها دعمًا ماليًا ولوجستيًا مهمًا للخاطفين قبل 11 سبتمبر.
هواء 11 سبتمبر مسموم .. عندما خانت امريكا مواطنيها
بعد سرد رؤاهم حول تداعيات الهجمات، توجه الأشخاص الذين تمت مقابلتهم بأصابع الاتهام إلى السلطات الأمريكية التي أهملت الآثار الصحية الناجمة عن هجمات 11 سبتمبر.
“كان هناك ارتفاع في معدلات الإصابة بالسرطان” ، قال نوح كوشلفسكي ، المحامي بالنيابة عن الضحايا وعائلاتهم مضيفًا أنه حتى الآن هناك إحصائيات تؤكد زيادة في عدد الأشخاص الذين تم تشخيصهم بأكثر من 50 إلى 60 نوع من مرض السرطان.
مايكل أو كونيل ، ملازم متقاعد من قسم إطفاء مدينة نيويورك، يأسف على كيفية وفاة زملائه، المستجيبين السريعين، والذي استمر حتى يومنا هذا بسبب الأمراض والسرطانات التي أصيبوا بها منذ يوم الهجوم ، قائلاً “إنهم يستحقون العدالة”.
وقال جون فيل من مؤسسة Feal Good Foundation وهو مدافع عن المستجيبين الأوائل لأحداث 11 سبتمبر: “أقر بأن الحكومة الأمريكية كذبت علي عندما قالت إن الهواء آمن للتنفس بينما لم يكن كذلك”.
وقد كانت وكالة حماية البيئة (EPA) قد أخبرت الناس في ذلك الوقت أن هواءهم آمن للتنفس وأن مياههم آمنة للشرب. ومع ذلك ، تم تشخيص أكثر من 13200 من أوائل المستجيبين والناجين منذ ذلك الحين بمختلف أنواع من السرطانات ، وفقًا لبرنامج الصحة التابع لمركز التجارة العالمي.
وقال كوشلفسكي أنه وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بفترة وجيزة ، تم إخبار الجميع بأن الهواء آمن ، وكان ذلك من قبل الحكومة الفيدرالية ، فنزل الناس إلى هناك وتطوعوا بدون أقنعة أو وسائل حماية، ولكن الهواء لم يكن آمنًا آنذاك.
خدعة جديدة: أمريكا تخفي أسرار التورط السعودي
ومن بين خدعات الحكومة الأمريكية، وفقًا للمستجيبين والمحامين الذين تمت مقابلتهم، أنه وعلى الرغم من وجود كل الأدلة على تورط السعودية، عكفت واشنطن جهودها من أجل إخفاء الأسرار حول وقوف السعودية خلف أحداث 11 سبتمبر.
أولاً، وبحسب الفيلم الوثائقي، كانت الحقيقة التي لا مفر منها أن 15 من الخاطفين التسعة عشر كانوا سعوديي الجنسية. ويذكر أيضاً أن الحكومة السعودية قامت برعاية وتمويل الهجمات وتدريب الإرهابيين مع تقديم مجموعة من التفاصيل والبيانات حول هذا التورط، ومع عدم إغفال حقيقة أن الأهداف المتطرفة للخاطفين كانت متوافقة مع أهداف وزارة الشؤون الإسلامية السعودية.
“إنها حكومة خطيرة للغاية” ، كما تقول شارون كليمنس ، احدى الناجيات ومديرة في العمل الاجتماعي، مشيرةً إلى الأيديولوجية السعودية المتمثلة في الاستشاطة غضباً إذا اضطرت الولايات المتحدة إلى التوقف عن شراء النفط أو إقامة مشاريع تجارية معهم.
ويذهب الفيلم الوثائقي الى عرض الإثباتات بأنه على الرغم من المؤشرات الواضحة للدور السعودي في 11 سبتمبر، عملت الولايات المتحدة على إخفاء التورط السعودي، مستشهدة بمكاشفات مستشار البيت الأبيض السابق لمكافحة الإرهاب، ريتشارد كلارك، الذي أكد أن الولايات المتحدة تلقت تحذيرًا في أعقاب 11 سبتمبر بأسبوع ولكن لم يتم التصرف حيال ذلك أبداً.
جاستا من أجل تحقيق العدالة
واستنكر الأشخاص الذين تمت مقابلتهم ضغوط جماعات الضغط (اللوبي) التي منعت “جاستا” من المضي قدمًا في إجراء التحقيقات مع المسؤولين السعوديين المتورطين. وهو تحقيق قد يرى النور بعد أن كتب المستجيبون الأوائل وأفراد عائلات ما يقرب من 3000 ضحية رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً واتهموا فيها الإدارة الأميركية بتعمد إبقاء الوثائق طي الكتمان. ونتيجة لذلك، أمر بايدن بنشر وثائق التحقيق لرفع السرية عن الوثائق المتعلقة بتحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي في هجمات 11 سبتمبر 2001.
وذكر جاستن جرين، وهو محلل طيران ومحامي يمثل أهالي الضحايا، بأنهم لديهم محققون مستعدون لاستئناف القضية وتمويل مخصص من أجل المرحلة التالية من هذه القضية. “وإذا رفضت المحكمة الدعوى فسنستأنف، وفي حال لم تفعل ذلك فسننج من الاستئناف، وسيكون بمقدورنا مطالبة المملكة العربية السعودية بإحضار شهود،” كما أشار جرين، مؤكداً أن السعودية تلعب لعبة مزدوجة عندما يتعلق الأمر بدعم القاعدة.
وطرح جرين نتائج حساسة تتعلق بصلات الحكومة السعودية بالإرهابيين. وقال إن فهد الثميري، الإمام البالغ من العمر 32 عامًا والدبلوماسي المعتمد في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس من عام 1996 إلى عام 2003، كان قد التقى في القنصلية مع عمر البيومي قبل أن يلتقي الأخير مع اثنين من الخاطفين في مطعم قبيل الهجمات، معتقدًا أن الثميري قد قدم المساعدة والدعم للإرهابيين لكنه فر فجأة من الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر دون أن يتمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي من استجوابه.
وتقول شارون كليمنس في الوثائقي بأن قانون جاستا يهدف إلى تحقيق العدالة لأولئك الذين فقدوا أحباءهم والأشخاص الذين نجوا على حد سواء، مع التأكيد على أنه لا يوجد مال في العالم يمكن أن يعوض الأضرار الجسدية والعقلية طويلة المدى التي لحقت بالأميركيين بعد هجمات سبتمبر.
أعظمُ تعويضٍ لنا هو أن يغادروا بلادنا، يتوسل مايكل أوكونيل في نهاية الفيلم الوثائقي في إشارة الى السعوديين الذين اعتبرهم سبباً بمعاناته.