من الصحافة الاميركية
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن نحو ألف شخص، من بينهم عشرات الأميركيين والأفغان الذين يحملون تأشيرات للولايات المتحدة أو دول أخرى، ما زالوا عالقين في أفغانستان في انتظار تصريح طالبان بمغادرة الرحلات الجوية.
وذكرت الصحيفة أن الوضع الذي يواجه الراغبين في المغادرة من المطار الدولي في مدينة مزار الشريف الشمالية يعكس حالة الآلاف الذين لم يتمكنوا من ركوب طائرات من كابل بعد أن استولت طالبان على العاصمة قبل انسحاب القوات الأميركية.
وقال مايك مكول، النائب الجمهوري البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، لـ”فوكس نيوز صنداي”، إن 6 طائرات عالقة في مطار مزار الشريف وتقل أميركيين ومترجمين أفغان، غير قادرة على الإقلاع لعدم حصولها علي تصريح من طالبان.
وأضاف أن طالبان تحتجز الركاب “رهائن لتحقيق مطالب” لكن عدة تقارير شككت في بيان مكول.
وذكر مكول أن طالبان تريد “شيئًا في المقابل” للموافقة على الرحلات الجوية وأنه يعتقد أنها تسعى “للحصول على اعتراف كامل من الولايات المتحدة الأميركية”.
نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا نقلت فيه رواية ما يقرب من عشرين مسؤول أمريكي وأفغاني وأحد قادة طالبان عما حدث يوم سقوط كابول.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن استيلاء طالبان على كابول يوم 15 آب/ أغسطس حصل بسرعة أثارت دهشة جميع الأطراف المعنية، من بينها طالبان نفسها. وقد تم الإقرار بأن ذلك لم يكن ليحصل لولا بضع خيارات مصيرية اتخذت في ذلك اليوم، وأهمها القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأفغاني للهروب من البلاد، يليه قرار الولايات المتحدة في التركيز على إخراج جنودها من المطار، عوضًا عن التصدي لطالبان.
في كل من واشنطن وكابول، اتسمت الأيام والأسابيع التي سبقت سقوط كابول بالتهاون والتراخي، حيث كان الرأي السائد في كلتا العاصمتين أنه لا يزال هناك متسع من الوقت قبل أن تستطيع الحركة الاستيلاء على مدينة كابول التي كانت لفترة طويلة المركز العصبي للوجود الأمريكي في البلاد. ووفقًا لمسؤولين أفغان وأمريكيين رفضوا الكشف عن هوياتهم، فقد كان الرئيس أشرف غني ينضح بهذا الاعتقاد.
عندما تقدمت طالبان على المعابر الحدودية الرئيسية مع إيران وطاجيكستان في أواخر حزيران/ يونيو، تخلت القوات الحكومية عن مواقعها. وأعلن مستشار الأمن القومي حمد الله محب أن القوات ستستعيد هذه المعابر قريبًا، لكن الواقع لم يشهد أي محاولات حقيقية لذلك، مما حرم الحكومة من موارد دخل رئيسية. ولم يستجب محب لطلبات الصحيفة للتعليق.
مع استمرار طالبان في حصد المكاسب، فقد بدأت ثقة المسؤولين الأمريكيين في الرئيس الأفغاني تتزعزع. وأخبروه بذلك في اجتماع في تموز/ يوليو، حيث نقل أحد المسؤولين المشاركين في الاجتماع أنهم نصحوا غني بوضع “خطة واقعية وقابلة للتنفيذ للدفاع عن البلاد”، والتخلي عن “محاولات الدفاع عن جميع عواصم المقاطعات البالغ عددها 34 عاصمة”، لكنه لم يأخذ تلك النصائح بعين الاعتبار.
وأضاف المسؤول: “كان غني يريد التحدث عن رقمنة الاقتصاد” في إشارة إلى خطط الرئيس لنظام دفع رواتب حكومي، بدلا من “التهديد المحدق”. واستمر الرئيس على نهجه حتى ظهر يوم السبت السابق لسقوط كابول، ولم يشر غني إلى أي ضرورة ملحة بشأن ترتيبات المغادرة أو سلامة كبار الموظفين. وأعطى الأولوية لوضع مخططات تدعم اقتصاد البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأوهام لم تقتصر على الجانب الأفغاني، حيث كان الرأي السائد من جهة أمريكا أن طالبان لن تشكّل تهديدا حقيقيا لكابول حتى أواخر فصل الخريف. لربما كان المسؤولون الأمريكيون يحثون غني على إبداء مزيد من الإلحاح، لكن أفعال الضباط العسكريين وكبار موظفي البيت الأبيض لم تدل على ضرورة ذلك أبدا.
قبل يوم من سقوط العاصمة الأفغانية، أدى استيلاء الحركة على مزار الشريف إلى إقناع المسؤولين الأمريكيين بأنهم بحاجة إلى الإسراع، لكن مدى السرعة كان موضع خلاف بين البنتاغون ووزارة الخارجية. وفي مكالمة مع الرئيس في ذلك اليوم، دعا وزير الدفاع لويد أوستن إلى النقل الفوري لجميع موظفي السفارة الأمريكية إلى مطار كابول، وذلك حسب مسؤول أمريكي مطلع على المكالمة.
منذ يوم الجمعة، كان زملاء ويلسون في السفارة يسارعون في تدمير الوثائق والمعدات السرية في المجمع، إذ جاء في مذكرة داخلية حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” أوامر لموظفي السفارة بإتلاف المواد الحساسة باستخدام المحارق، وتدمير “الأعلام الأمريكية، أو أي عناصر أخرى يمكن إساءة استخدامها في أنشطة البروباغاندا”.
في مساء السبت، تحدث غني مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عبر الهاتف. وعلى أمل تجنب مواجهة في العاصمة، فقد ناشد بلينكن غني أن يدعم ترتيبا توسطت فيه الولايات المتحدة مع حركة طالبان والذي سيبقى المسلحون بصدده خارج كابول إذا تنحى الزعيم الأفغاني، بينما تتولى حكومة مؤقتة زمام الأمور. وقال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين إن الهدف من ذلك كان كسب الوقت لبدء مفاوضات تهدف إلى تشكيل حكومة شاملة تضم طالبان وغيرها. ووافق الرئيس على مضض، وبدا للأمريكيين أنهم شقوا طريقًا إلى انتقال سياسي سلمي يتجنب عمليات الاستيلاء العنيفة كالتي شهدها تاريخ أفغانستان.
صباح يوم الأحد، استيقظت كابول على أنباء سقوط جلال أباد ليلاً، مما جعلها مدينة معزولة. ومع أن السكان لزموا بيوتهم إلى حد كبير، لم يظن أحد أن هناك عملية استحواذ في أفق العاصمة القريب. ذلك الصباح، كان الناشط الحقوقي نادر نادري متوجهاً للدوحة للمشاركة في مفاوضات مع طالبان، دون أي اشتباه بأن الحركة قد تدخل كابول، لأنه اعتقد أن الدبلوماسية لن توقع البلاد في أزمة على غرار ما حدث في التسعينيات.
بالمثل، قالت مديرة الاتصالات في القصر الرئاسي مرجان متين أنهم كانوا على افتراض بأن القوات الأمريكية والبريطانية ما زالت هناك. لكنها انتبهت لخطب ما في طريقها للعمل، حيث باتت المتاجر تغلق أبوابها، وكان الطلاب يهرعون لمنازلهم، بينما وقف مقاتلو طالبان على المداخل الرئيسية للمدينة. قالت متين إن الأمر “كان أشبه بفيلم رعب”.
أما في داخل القصر، خرج أغلب الموظفين لتناول وجبة الغداء. وأفاد مسؤولون بأن أحد كبار المستشارين جاء للرئيس حينها قائلا إن المسلحين قد دخلوا القصر، وأن عليه الهروب للنجاة بحياته.
أكدت الصحيفة أن ذلك لم يكن صحيحا كما اتضح لاحقًا، حيث بقت طالبان على أطراف كابول ولم تكن تعتزم الاستيلاء على السلطة بالعنف. لقد كان هناك اتفاق قائم للانتقال السلمي، وكانت الحركة تنوي احترامه. ولكن لم تكن هذه هي الرسالة التي تم إيصالها لغني الذي وافق أخيرا على الرحيل على متن طائرة هيلوكوبتر مع زوجته وعدد من المسؤولين.