سيد الإنقاذ والنهوض والشراكة المشرقية
غالب قنديل
إنها عبقرية قائد استراتيجي حبك التاريخ بالجغرافية بالاقتصاد، وأنتج مشهدا مدهشا وصادما، فقلب الصورة، وبات لبنان ينتقل من حالة الخنق والحصار إلى مصبّ لعروض شراكة واستثمار واعدة وبشائر نهوض وازدهار. ومن حافة الكارثة علّق السيد قصب السباق، فكان انهمار العروض عندما شرع يبادر. وكما فعل في الملاحم العسكرية التي قادها وخاضها مع رفاقه الأبطال، ها هو يكسر الحصار، ويدشّن عهدا جديدا من شراكات لبنان مع سورية والعراق وايران برصيد مقاومة تثبت انها قوة الحماية والحياة والنهوض.
أولا: كان يكفي أن يصمت الأميركي، ويبدي عدم ممانعة، يسعى عملاؤه لتطويره إلى الإيحاءات الإيجابية، حتى تنقلب الصورة ويجهد المنخلعون لتسريب تقارير، وكتابة مقالات توحي بأن واشنطن تغضّ النظر عن تنفس لبنان عبر سورية وإيران والعراق. وواشنطن تلك، هي مصدر تدابير الخنق القاتل التي أحكمها الأميركي البشع ضد وطن المقاومة، ولم يكن صمته على الخطوات الأخيرة لولا عبقرية قائد أتقن ابتكار المبادرات، وتحويل التهديدات إلى فرص، وهو كان قادرا على استقدام قوافل شاحنات ايرانية وسورية عبر الحدود الشرقية البرية بإشارة أو بكلمة، لكنه لم يختر الطريق البحري عن عبث. فقد شاء رسم مشهد استراتيجي جديد في المنطقة، يقينا منه أن ما بعده غير ما قبله، كما يفعل دائما، ويراكم المزيد من عناصر القوة لبلد المقاومة وقلعتها. وما لبث الحصاد أن تبدّى بتهاوي الحصار وانهمار المبادرات والخطوات الصادمة، بينما طابور العملاء والأبواق في ذهول وهذيان.
ثانيا: الاستجابة السورية العاجلة أظهرت حكمة ولهفة، بما تنطوي عليه من رغبة أكيدة في تحرير التعامل مع الكارثة من نزف العتاب وتبعات المناكفات، والشغب اللبناني المسموم الذي يحركه طابور عملاء ومنخلعين لم يكفّ شغبه وتشويشه.
الانكفاء الأميركي تبرهن عليه لهفة حكومات شقيقة محكمة الربط والارتهان لمشيئة واشنطن، تراعي ممنوعاتها دائما، وسبق أن كانت مستجيبة لها في سلبية التعامل مع بلد المقاومة، فباتت في موقع التسهيل والتجاوب، بعدما فعلت مبادرة نصرالله فعلها، وقلبت الطاولة، وانطلق السباق الإقليمي والدولي إلى ابداء الاستعداد لتلبية طلبات لبنان وتوفير حاجاته الملحة. وهكذا يحوّل السيد نصرالله حصاد الشهداء إلى رافعة للخروج من الكارثة، لفتح مسارات نموّ وازدهار في مجالات اقتصادية حيوية، بما هو أبعد من حدود احتواء الانهيار ومداواة آثاره الاقتصادية والاجتماعية. فالقطاعات النفطية تحمل تباشير موارد جديدة مؤكدة، وفرص عمل لا يستهان بها.
ثالثا: حصاد المبادرة الهجومية الشجاعة سيتفاعل ويتراكم في البيئة الإقليمية وفي الداخل اللبناني، بما يتخطّى المدى الزمني والتفاعل الاقتصادي والمعيشي والصدى السياسي الظاهر. والأكيد أن ضربة المعلّم، في المحتوى والتوقيت، ستدحرج أهدافا كثيرة معها وفي ركبها، وهي ستكون عوامل انعاش ونموّ ونهوض، سيحصد اللبنانيون عائداتها الوفيرة، وشراكات الطاقة الإقليمية، هي رأس جسر مناسب لتطوير دوائر الشراكة الإقليمية ورعايتها بروح المصالح المشتركة، مع احترام اختلاف تنوّع الخيارات واختلاف الأنظمة. وبهذه الروح المبنية على التنوّع ضمن وحدة المصالح المشتركة، يمكن أن تتعزّز الروابط مع الأشقاء في العراق وسورية والأردن ومصر، وكذلك حكما مع إيران. وليكن لبنان واسطة العقد في شبكة مشرقية للمصالح المشتركة، ومن غير مبالغات كلامية انشائية، يمكن لهذه الكتلة أن تنمو وتصعد وتذيب الكثير من الفوارق وتردم الفجوات والتباينات السياسية.
من شراكة الطاقة يمكن التطلّع إلى مستويات أخرى من التناغم والتكامل في الصناعة والزراعة والنقل، والتحول إلى منظمة مشرقية للتعاون والتنمية. ولنتذكّر أن السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الأوروبي كانا استطالة لاتفاقية حول الفحم والحديد، هي أول نواة للتعاون قامت بين الدول الأوروبية بعد الحرب الكونية الثانية.