من الصحافة الاميركية
سلطت صحيفة وول ستريت جورنال الضوء على حادثة وقعت عام 2008، عندما ساهم مترجم أفغاني يدعى محمد، بإنقاذ حياة السيناتور آنذاك جو بايدن، واثنين آخرين من أعضاء مجلس الشيوخ، بعد أن تقطعت بهم السبل في أحد أودية أفغانستان النائية.
واضطرت طائرة مروحية كانت تقلهم آنذاك إلى الهبوط بسبب عاصفة ثلجية، ليجد الرجل، الذي سيصبح رئيسا للولايات المتحدة بعد سنوات، نفسه عالقا في مأزق خطير، قبل أن ينقذهم محمد الذي ساعد مجموعة أمنية للوصول إلى المكان.
والآن، يطالب محمد، بايدن الرئيس الأمريكي بإنقاذه، إذ إنه يختبئ وزوجته وأطفالهما الأربعة، من “طالبان”، بعد أن اصطدمت محاولاته التي استمرت سنوات للخروج من أفغانستان بالبيروقراطية.
وقال محمد للصحيفة إنه كان مترجما للجيش الأمريكي عام 2008 عندما هبطت مروحيتان من طراز “بلاك هوك” اضطراريا خلال عاصفة ثلجية قوية، وكان على متن إحداهما ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي: بايدن، وجون كيري وتشاك هيغل.
وأضاف: “يومها ذهبت مع فريق أمن خاص من شركة (بلاك ووتر) إلى جانب جنود من الجيش الأمربكي لمهمة الإنقاذ”.
وفي مطار “باغرام” الجوي، قفز محمد في عربة هامفي مع قوة رد فعل سريع من الفرقة 82 المحمولة جوا وقاد سيارته لساعات إلى الجبال المجاورة لإنقاذهم، بحسب ما قال بريان جينثي، الذي كان يعمل آنذاك رقيبا في الحرس الوطني في أريزونا.
وساعد الفريق في إنقاذ أعضاء مجلس الشيوخ من الواقعة التي حصلت معهم، لكن محمد، بعد 13 عاما منذ ذلك الحين، ها هو يراقب الأمريكيين وهم يغادرون، تاركينه وراءهم ليواجه مصيره مع عودة طالبان للحكم.
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن العدو الأبدي للولايات المتحدة بات واقعا، وعلى واشنطن أن تختار بين تجاهله أو التسامح معه، حيث يجلب كل خيار من هذا مقايضات مؤلمة.
وقالت في تقارير إن المعضلة هذه كانت موجودة حتى أثناء عملية التحضير لانسحاب القوات الأمريكية بعد 20 عاما من أفغانستان. وظهر السؤال في النقاشات حول كيفية التعاون ضد عدو مشترك: تنظيم الدولة الإسلامية- ولاية خراسان. وهناك سؤال آخر يتعلق بالإفراج عن 9.4 مليار دولار من احتياطات الحكومة الأفغانية التي تم تجميدها في الولايات المتحدة.
فتسليم طالبان مليارات الدولارات يعني تمويل نظام ديني محافظ. لكن حجب الأموال يعني أزمة عملة وتوقف عمليات استيراد الوقود والطعام والدواء وتجويع المدنيين الأفغان الذين وعدت الولايات المتحدة بحمايتهم.
وأشارت إلى أن هذه هي البداية وقد تقضي واشنطن وطالبان سنوات وحتى عقودا موزعتان بين التعاون والنزاع والتنازل والتنافس في محاولة إدارة العلاقة التي لا يستطيع أي منهما التسامح معها أو العيش بدونها. ويبدو أن طالبان تفهم أن حكم بلد فقير أنهكته الحرب تحد يختلف عن المعركة، وهي بحاجة لدعم دبلوماسي واقتصادي تريد الحصول عليهما من الولايات المتحدة.
ومن جانب واشنطن فهي ترى في أفغانستان ملجأ آمنا ممكنا للإرهاب الدولي ومركز للتنافس الجيوسياسي ضد أعدائها ومركز لكارثتين تلوحان بالأفق، حكم طالبان والإنهيار الإقتصادي، وكلاهما قد تصل أثاره إلى خارج الحدود. ويواجه بايدن في داخل أمريكا تداعيات سلبية بسبب أفغانستان والتي قد تزيد لو نظر إليه على أنه يقدم الدعم لحكم طالبان. ولكنه سيجد أن أي محاولة لتأمين أهداف أمريكا في البلد، حتى المتواضع منها قد يحتاج إلى التسامح مع الجماعة التي تسيطر عليه الآن.
واكتشفت إدارته هذا في الأسبوع الماضي عندما اعتمدت القوات الأمريكية على مقاتلي طالبان لتأمين مطار المدينة. وقال بايدن معلقا على المخاطر وربما فقدان الكرامة من خلال السماح لطالبان السيطرة وإن بشكل جزئي على ممرات الإجلاء “هذا في مصلحتهم وأنها سنخرج في الوقت المحدد”.
وأضاف فيما سيعلم العلاقات الأمريكية – الأفغانية “المسألة ليست ثقة ولكن مصالح ذاتية متبادلة”. ولو حاولت الولايات المتحدة التي لم يعد لديها قوات على الأرض أو حلفاء في أفغانستان، مواجهة تنظيم الدولة- ولاية خراسان، فهي تريد قوات صديقة ومعلومات أمنية.
وربما احتاجت طالبان التي تريد السيطرة على المناطق النائية في البلاد الغطاء الجوي الأمريكي لهزيمة التنظيم. وكان هذا المزيج ضروريا لهزيمة تنظيم الدولة في العراق وسوريا. ويقول المسؤولون الذين عملوا في تلك الحملة إن واشنطن وطالبان تقومان بفحص وبهدوء التنسيق التكتيكي.
ولدى الولايات المتحدة تاريخ للتعاون مع حكومات غير مرغوب فيها في الحرب ضد الجماعات الإرهابية. إلا أن تلك الحكومات غالبا ما استغلت وبشكل روتيني موافقة الأمريكيين ومساعدتهم لقمع الجماعات المعارضة التي صنفتها بالمتطرفة. وساعدت هذه الدينامية الديكتاتوريين على تجاهل المطالب الأمريكية لاحترام حقوق الإنسان والديمقراطية، لاعتقادها أن أمريكا ستتسامح مع انتهاكاتها طالما قدمت نتائج في موضوع الإرهاب.
وقالت الصحيفة “حتى لو استطاعت أمريكا التأكد من كل هدف على القائمة فإن أي غارة جوية ستكون في خدمة طالبان وسيطرتها على البلاد التي قضت عقودا في حربها. ويمكن للحركة أن تنقل كل جندي من محاربة تنظيم الدولة لمواجهة الجماعات المعارضة الاقل تطرفا. وسيطرح سؤال حول ما تفضله واشنطن من مستقبل لأفغانستان، منقسمة بسبب الحرب الأهلية التي أنتجت طالبان ثم تنظيم الدولة الآن أو موحدة في ظل حكم طالبان التي لم تعدل من مواقفها في السلطة”.
وعبرت طالبان التي تريد الدعم الأجنبي بشكل عاجل عن رغبة ببناء علاقات مع واشنطن. وكلما تأخرت الولايات المتحدة في الإعتراف الرسمي أو غير الرسمي بطالبان كلما لاحقت طالبان الأمريكيين للحصول على موافقتهم، لكن انتظار أمريكا طويلا يعني أن القوى الأخرى ستسارع لملء الفراغ. وعبرت الصين وإيران وكلاهما لديه حدود مع أفغانستان عن رغبة في التعامل مع حكومة طالبان مقابل تعهدها بأمور تتعلق بشكل كبير بالإرهاب.
ويحاول البلدان تجنب انهيار اقتصادي أو عودة للحرب الأهلية قريبا من حدودهما. وهما راغبتان بمنع عودة التأثير الأمريكي إلى أفغانستان. وكتبت أماندا هاسيو، من مجموعة الأزمات الدولية “تريد بيجين تقديم اعتراف بحكومة طالبان قبل أو مع اعتراف باكستان ولكن قبل أي دولة غربية”.