مخاض النهوض السوري بعد العدوان
غالب قنديل
يطمس معظم الإعلام الدولي والعربي محورية العدوان الاستعماري الصهيوني على سورية في إطلاق وتنظيم غزوة التكفير والتوحّش الإرهابية، التي تهزّ العالم والمنطقة بتردداتها الزلزالية، ويسود التجاهل والطمس المقصود لمحورية خطة تدمير سورية في إطار مشروع استعماري لتثبيت الهيمنة اللصوصية على الشرق العربي، والأخطر هو تجاهل البعد الصهيوني في استهداف سورية كركن مركزي مؤسس وحاسم في محور المقاومة.
أولا: الصورة الإعلامية النمطية التي أنتجتها المختبرات وغرف التخطيط الأميركية الأطلسية الصهيونية، هي أن ما يجري في سورية هو أزمة داخلية، واضطراب سياسي أمني يجتاح البلاد. ويجهد الإعلام الغربي والعربي لطمس وتحجيم دور الجيش العربي السوري في تصفية بؤر الإرهاب. وفي هذا السياق تُستخدم المبالغة المقصودة في تصوير حجم وفاعلية مساهمات الحلفاء والأشقاء القتالية. ولذلك ما تزال اللغة الشائعة في النشرات الإخبارية والتغطيات الصحافية، تبرز المعارك ضد فلول الإرهابيين بوصفها معارك يخوضها الأصدقاء الروس والحليف الإيراني وحزب الله ضد فلول داعش والنصرة. علما أن جميع التقارير الأمينة والموضوعية تظهر حشودا وقوات ضخمة من الجيش العربي السوري في بؤر العمليات العسكرية، كما تؤكد التغطيات الموضوعية والمهنية مرجعية القيادة العسكرية السورية في التخطيط وإدارة العمليات، بمشاركة مستشارين من الحلفاء الروس والإيرانيين ومن حزب الله في إدارة الخطط وقيادة العمليات، حيث تقضي الحاجة، وهذا معلن ومعروف ببلاغات رسمية سورية، يجري تجاهلها عن قصد.
ثانيا: رغم الضجيج والصخب العالمي سقطت خرافة الحرب الأهلية السورية، التي يتمسّك بها الإعلام المعادي، ويصرّ على اجترارها للانتقاص من حصانة الدولة الوطنية السورية ومشروعيتها لحماية ثغرة متاحة للتدخلات الأجنبية في رسم مستقبل سورية، تحت شعار التوسّط في بلورة الحلول والتفاهمات الوطنية المنشودة. وهذا ما كانت الدولة السورية متيقّظة لمخاطرة مسبقا، وسدّت جميع المنافذ السياسية المحتملة، بما فيها هفوات بعض الأصدقاء والحلفاء، فلم تفتح أيّ باب للبحث في شؤون سيادية وطنية جوهرية مع أيّ كان قريبا كان ام بعيدا، وضبطت المداخلات والمساهمات الشقيقة والصديقة تحت سقف السيادة الوطنية والقواعد الناظمة سياسيا ودستوريا، بوصفها من مقوّمات السيادة المطلقة غير المطروحة للبحث والمراجعة بأيّ ذريعة كانت. ومن هذه الزاوية ينبغي النظر إلى الدور الروسي في رعاية فصول من الحوار بين دمشق وبعض التشكيلات والمجموعات، والتي يلعب فيها الشريك الروسي دورا متناغما مع دمشق وتوجهاتها، بدافع الاحتواء الإيجابي والجذب إلى مسار الاندماج تحت سقف الدولة الوطنية.
ثالثا: تتحضّر سورية، مع التعافي الأمني، لنهضة اقتصادية ضخمة، بالشراكة مع ثالوث الشرق الصاعد الصين وروسيا وإيران. وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن إعادة البناء والإعمار بعد الحرب تنطوي على إقامة صروح تقنية وصناعية متقدّمة متعدّدة الاختصاصات، ترفد النهضة العمرانية بقوة دفع جبارة، وتقطع بسورية شوطا هائلا في طريق التصنيع ونقل التكنولوجيا الحديثة، مما يؤهّلها لتحقيق وثبة تستلحق دمار الحرب وخرابها، وتقطع شوطا، يطوِّر ويوسِّع موارد الثروة، استنادا إلى تقاليد انتاجية راسخة في الثقافة الشعبية، تسمح لسورية بالتطلّع إلى نقلة كبيرة، يشبّهها كثير من الخبراء والمؤرخين بوثبات الاقتصاد الصيني، مع فارق الحجم والتشابه في وتيرة التراكم السريعة، وحيث يضمن لسورية توافر شركاء كالصين نفسها وروسيا وايران، كمية ضخمة من الطاقات والموارد والخبرات ضمن معادلات الشراكة في الإنتاج والتنمية. بينما تمتلك سورية قوى بشرية منتجة مؤهلة علميا وتقنيا وتثير الإعجاب، وهنا يشهد الخبراء والمتابعون للرئيس بشار الأسد ببراعة قيادية في رعاية واستنهاض عناصر القوة، وفي بناء التحالفات وتوظيفها على أساس خطط وبرامج مشتركة، ستكفل نهوضا سريعا للقدرات السورية.