أفكار من خارج دوامة العويل والتخبّط
غالب قنديل
إذا طلبنا إلى أي لبناني أن يعدّ جدولا زمنيا بتوزيع ساعات يومه وأماكن تواجده لوجدنا جلّ وقته في طوابير انتظار، تتعلق بمحاولاته اليائسة المتكرّرة للحصول على الضروريات، وخصوصا المحروقات لسيارته في جمهورية الكراج الوطني الكبير، حيث لا وسائل للنقل العام. فالأتوبيس لفظ أنفاسه، وبقي منه بعض الحافلات على خطوط يتيمة، والقطار تبخّر واندثر وسرقت سكّته وبيعت خردة معدنية، وظلّت بقايا سكّته المهجورة ومحطاته المتصدّعة، بما عفّت عنه أيدي اللصوص، تحفة أثرية للذكرى.
أولا: مع مواكبة ودعم الحكومة العتيدة، ينبغي تفعيل التحرك لاحتواء الكارثة، وتطوير نقاش استشرافي يساعد على بلورة أجندة وطنية تؤسس للانتقال إلى مرحلة البناء بعد الانهيار، وهذه ستكون مهمة الحكومة العتيدة المقبلة. ويجب أن يكون جدول الأعمال موزّعا بين الضروريات الراهنة وتأمين الحصول عليها ومشاريع مستقبلية، تنقل البلد إلى التعافي والنمو بعيدا عن المياومة، التي تستنفذ كلّ الإمكانات، وتستغرق في بذخ انفاق الديون وتبديدها بدلا من التأسيس المنتج لأنوية وخطوط قابلة للنمو والتطور، تسهم في انعاش الاقتصاد ومراكمة الثروة. وقد أعدّت جهات متعددة من دول صديقة كثيرة ملفات وعروضا في مجالات مجدية، على قاعدة الشراكة الاستثمارية الميسرة، لا تكلّف الحكومة اللبنانية شيئا غير التوقيع والتسهيل والمتابعة الجدية.
ثانيا: الطاقة، وهي تتضمّن ثلاثة محاور إمدادات النفط والمصافي ومعامل التوليد الكهربائي والطاقة الشمسية. ويمكن التوصّل إلى اتفاقات مع الشركاء والأشقاء في العراق وسورية وإيران والشريك الروسي على إنشاء محطات حديثة للطاقة الشمسية، ومعامل حديثة لتوليد الطاقة الكهربائية، وتجديد المنشآت في طرابلس والزهراني وتحديثها، وزيادة سعتها وانتاجيتها، وتوسعة أرصفة رسو الناقلات وبواخر النقل، بحيث يتحوّل الساحل اللبناني إلى مرفق بحري لشحن النفط في المشرق، وترتفع طاقة التكرير اللبنانية لخدمة التصدير. فيمكن استثمار المزايا الجغرافية لإنتاج فائض نوعي، يعود بمردود مالي على الدولة، ويوسّع فرص العمل، ويشغل مرافق خدماتية كثيرة ومتعدّدة، يمكن انشاؤها وتنميتها في هذه الدائرة، وهذا بذاته سيخفّض كلفة النفط ومشتقاته في لبنان على جميع المرافق والشرائح الاجتماعية المعنية، والتي تتأثر بالمحروقات وكلفتها، التي تمثّل عبئا ثقيلا ومكلفا على جميع اللبنانيين.
ثالثا: استدراج عروض للاستثمار المشترك في إنشاء سكك الحديد والقطارات الحديثة، وكذلك للنقل البحري للركاب والبضائع بين المدن الساحلية، بحيث يمكن استثمار هذه الخطوط في الحركة الاقتصادية والبشرية العادية، ولضرورات السياحة أيضا. وثمة نماذج عالمية ناجحة جدا وبعض التجارب الشرقية المميزة، التي يمكن الاستفادة منها بعروض للشراكة في الاستثمار. ويمكن، لو توافرت الإرادة والقرار، استثمار الزمن في انجازات، تخلق فرص عمل، وتطلق مسارات جديدة منعشة للاقتصاد الوطني، وتدشّن مسارات نمو وتطور اقتصادي اجتماعي بعد الانهيار.
المطلوب اليوم وليس غدا عدم الاسترسال لدوامة الانهيار والإحباط بالانتقال إلى تفكير جديد بقوة الابتكار والابداع لتطوير مبادرات عملية وفرضها على جداول النفيذ الحكومي العاجل.