من الصحافة البريطانية
لا تزال الصحف البريطانية مهتمة بتحليل صعود طالبان وسيطرتها على أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى الغرب وسياساته الخارجية، بالإضافة إلى انعكاس ذلك على جماعات مسلحة بمناطق أخرى من العالم.
نشرت نسرين مالك مقال رأي في صحيفة الغارديان بعنوان: “لماذا لن يتعلم الغرب دروسا من سقوط كابل“.
وافتتحت الكاتبة مقالها بالقول إنه في أغسطس/آب 1998، وبعد أسبوعين من تقديم جماعة إرهابية غير معروفة تسمى “القاعدة” نفسها للعالم عبر هجمات بالقنابل على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا، رد الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، بضربات صاروخية على مصنع للأدوية في السودان.
وأضافت أن وسط الخرطوم اهتز في منتصف الليل جراء سقوط عشرات الصواريخ من طراز توماهوك، التي دمرت المصنع وقتلت حارسا ليليا وأصابت 11 شخصا آخرين.
وتشير الكاتبة إلى أن الولايات المتحدة زعمت حينها أن المصنع كان ينتج سرا أنواعا من غازات الأعصاب لصالح القاعدة. إلا أن المسؤولين الأمريكيين اعترفوا بعدها بأن “الدليل (على ذلك)… لم يكن قويا كما تم تصويره في البداية”.
وتقول الكاتبة إن هذا، بعبارة أخرى، كان عملا انتقاميا ضد هدف عشوائي ليس له أي صلة بالجريمة التي يُزعم أن الهجوم جاء ردا عليها. وتشير الكاتبة إلى أنها كانت طالبة جامعية في الخرطوم في ذلك الوقت.
وتروي الكاتبة أنها زارت موقع المصنع المدمر مع طلاب آخرين في اليوم التالي. وما اتضح لهم حينها وهم يقفون أمام الأنقاض، في “مدينة نائمة كان من المفترض أن تصبح مركزًا للإرهاب الإسلامي بين عشية وضحاها”، أن المنطق الحقيقي وراء “الحرب على الإرهاب” كان أن حياتهم مجرد “علف لإنتاج عناوين عريضة في الصحف الأمريكية تحيي قوة القادة الغربيين وعملهم السريع وعزمهم”.
وتقف مالك في مقالها على الاسم الذي أطلق على العملية ومعانيه، وهو “إنفينيت ريتش” أي الوصول اللانهائي أو غير المحدود.
وتقول الكاتبة إنه لم يتم أبدا الاعتراف بهذا الخطأ ولم يتم تقديم أي اعتذار أو تحمل للمسؤولية. وقد اعترف مسؤولو إدارة كلينتون بأن المعلومات الاستخباراتية ربما لم تكن صحيحة تماما، لكن لم يتعرض أحد لأدنى عقوبة لارتكابه خطأ.
وتضيف أن صاحب المصنع، الذي لم تتم إعادة بنائه قط، رفع قضية ضد الولايات المتحدة في محكمة أمريكية. إلا أن القضية رُفضت.
واعتبرت مالك أنه لأكثر من عقدين، كان هذا هو المنطق الحاكم للحرب على الإرهاب: القادة الأمريكيون والبريطانيون يتخذون القرارات الأخلاقية “الصعبة والشجاعة”، ثم يكون على آخرين القلق بشأن العواقب المترتبة على ذلك. وتضيف: “الفوضى في كابل هي ببساطة أحدث حلقة في دراما طويلة الأمد لم يتغير أبطالها أبدا”.
وتشير الكاتبة إلى أنه منذ ذلك الوقت “لم يتم حل أي شيء ولم يتم تعلم أي دروس ولم يتم تمرير أي تقييم ذي مغزى للحرب على الإرهاب”.
واعتبرت أن سقوط كابل سيكون فرصة ضائعة أخرى لتعلم الدروس.
وتقول إنه بدلا من ذلك، سنسمع الكثير في وسائل الإعلام عن “سقوط الغرب أو هزيمته”، إذ هو “دائما ما يكون الشخصية الرئيسية في المأساة التي حلت بالآخرين”.
وتشير إلى أنه سيكون هناك المزيد من الحديث في البرلمان البريطاني عن “الهدف الأخلاقي للتدخل”، وأننا سنسمع “الكثير عن خيانة النساء الأفغانيات”.
وتنهي مقالها بالقول: “لكنك لن تسمع سوى القليل من تلك المؤسسات عن حقيقة حرب، من السودان إلى العراق إلى أفغانستان، كانت تدور في نهاية المطاف حول انتقام كبير تم تفعيله ضد أهداف صغيرة وهشة”.
“لم يكن الأمر يتعلق بإنهاء الإرهاب أو تحرير النساء، ولكنه طالما كان يتعلق بإظهار القدرة على الوصول اللانهائي”.
تابعت التايمز تقريرا لجوناثان كلايتون عن الجهاديين في أفريقيا، الذين تشجعوا بانتصار طالبان في أفغانستان.
ويقول الكاتب إن جماعات إسلامية أفريقية متطرفة شنت عدة هجمات دامية في الأيام القليلة الماضية، يُعتقد أنها اكتسبت جرأة بعد سيطرة طالبان على أفغانستان.
وقتل أكثر من 200 شخص في أربع غارات منفصلة الأسبوع الماضي في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، ما اعتبر دليلا على ثقة الجهاديين المتزايدة بالنصر في القارة مع انتشار الفوضى في كابل، بحسب كلايتون.
كما ارتفع عدد قتلى التمرد المتزايد، المرتبط بجماعات بديلة لتنظيمي القاعدة وداعش، إلى أكثر من 700 منذ بداية العام وعدة آلاف منذ عام 2018. وأدت الفوضى إلى نزوح سبعة ملايين شخص في منطقة الساحل بغرب أفريقيا، بحسب التقرير.
ويقول كلايتون إن فشل الآلاف من قوات الأمم المتحدة والقوات الإقليمية والغربية – بما في ذلك حوالي 300 جندي بريطاني في مالي – في هزيمة المتمردين الإسلاميين أدى إلى إثارة المخاوف من أن أكبر تهديد لأوروبا يوجد الآن عبر البحر المتوسط، ويتمثل في عدد كبير من الجماعات الجهادية.
ونقل الكاتب عن توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، قوله إن قرار التخلي عن أفغانستان ترك “كل جماعة جهادية في جميع أنحاء العالم تحتفل”.
ويقول التقرير إن المنظمات التي تراقب مثل هذه الجماعات ومواقعها في الإنترنت توافق على هذا التوصيف. وتشير هذه المنظمات إلى أن سقوط كابل تم الاحتفال به على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي المتطرفة، مع الثناء على طالبان.
وتقول المنظمات، بحسب الكاتب، إن الجماعات المتطرفة التي تتخذ من أفريقيا مقراً لها وجدت عاملا ملهما في قرار الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان. والآن ستصعد بالتأكيد هجماتها، وفقا لخبراء إقليميين.
ويشير التقرير إلى أن الصومال وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية تحارب بدورها متطرفين إسلاميين. وهناك مخاوف جديدة تتمثل في إمكانية تهريب بعض الأسلحة المتطورة، التي تركتها القوات الأمريكية في أفغانستان، إلى أفريقيا.
وليبيا، التي هي الآن نقطة الانطلاق المفضلة لمهربي البشر إلى أوروبا، تعد أيضا موطنا للعديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة، بحسب كلايتون.
وقالت كورين دوفكا، المسؤولة عن منطقة الساحل بمنظمة هيومن رايتس ووتش، للتايمز إن هذه الجماعات استغلت بذكاء الخطوط العرقية والاقتصادية والدينية لكسب المزيد من المجندين.
وتابعت: “يجب أن تكون الأزمة مصدر قلق لنا جميعا، نظرا للديناميكيات الجيوسياسية وامتدادها إلى أماكن أخرى في غرب أفريقيا، بما في ذلك الدول الساحلية”.
ويضيف التقرير أن أجزاء كبيرة من بوركينا فاسو أصبحت الآن تحت سيطرة الإسلاميين الذين يخلطون الجهاد باللصوصية وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر. ويشير إلى أنه في النيجر، قتل متشددون أكثر من 420 مدنيا وشردوا الآلاف من منازلهم منذ يناير/كانون الثاني.
ويقول كلايتون إن دعم الإسلاميين ازدهر جزئياً بسبب “الاستجابة غير الكفؤة من قبل الحكومات الفاسدة في المنطقة”. فقد اتُهمت القوات المسلحة الوطنية “بقتل المدنيين والقضاء على الخصوم السياسيين ومضايقة السكان المحليين خلال حملات القمع الفاشلة ضد المسلحين”.
وأنهى الكاتب تقريره بجملة نقلها عن بورايما غويندو ، رئيس تحرير صحيفة “لو بايي” المالية، الذي كتب: “كثير من الناس خائفون لأن الوضع من المحتمل أن يكون هو نفسه [كالوضع في أفغانستان]”. وأضاف: “وجود الجنود الأجانب ضروري للغاية لأنهم إذا غادروا غدا، فإن الوضع سيكون أكثر خطورة”.