من الصحافة الاميركية
كشفت الصحف الاميركية الصادرة اليوم أن إدارة بايدن جمدت احتياطيات الحكومة الأفغانية المودعة في الحسابات المصرفية الأمريكية، لمنع حركة طالبان من الوصول إلى مليارات الدولارات الموجودة في المؤسسات الأمريكية.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها عن مصادر مطلعة قولها، إن القرار اتخذ من قبل وزيرة الخزانة جانيت يلين ومسؤولين في مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة، كما شاركت وزارة الخارجية في مناقشات خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث كان المسؤولون في البيت الأبيض يراقبون التطورات.
ويمثل قطع الوصول إلى الاحتياطيات الموجودة في الولايات المتحدة من بين أولى الخطوات المتوقع أن يتبعها العديد من القرارات الحاسمة التي تواجه إدارة بايدن بشأن المصير الاقتصادي لتلك الدولة بعد استيلاء طالبان على السلطة.
وتعتبر أفغانستان بالفعل واحدة من أفقر البلدان في العالم وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية التي هي الآن في خطر.
ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم، إنه من المرجح أيضًا أن تواجه إدارة بايدن خيارات صعبة بشأن كيفية إدارة العقوبات الحالية على طالبان، مما قد يجعل من الصعب إيصال المساعدات الإنسانية الدولية إلى السكان الذين يواجهون الانهيار.
واحتفظ البنك المركزي الأفغاني بأصول احتياطية بقيمة 9.4 مليارات دولار حتى نيسان/ أبريل الماضي، وفقًا لصندوق النقد الدولي. ويشكل هذا ما يقرب من ثلث الناتج الاقتصادي السنوي للبلاد.
ورفض المتحدثون باسم البيت الأبيض ووزارة الخزانة التعليق للصحيفة على عملية تجميد الأموال أو مصير المساعدات الاقتصادية الأمريكية لأفغانستان. كما رفضت متحدثة باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك التعليق.
وبالإضافة إلى الاحتياطيات، ترسل الولايات المتحدة حاليًا ما يقرب من 3 مليارات دولار سنويًا لدعم الجيش الأفغاني، أو ما يقرب من 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ومن المتوقع أن يتوقف هذا التمويل عن التدفق أيضًا، إلى جانب مبالغ مالية أصغر، مثل 20 مليون دولار لتجنيد النساء في قوات الأمن الوطنية الأفغانية.
ويتم تمويل حوالي 80 في المائة من ميزانية أفغانستان من قبل الولايات المتحدة ومانحين دوليين آخرين.
ويقول مارك وايسبروت، المدير المشارك لمركز أبحاث الاقتصاد والسياسة في واشنطن: “إن استيلاء حكومة الولايات المتحدة على احتياطيات البنك المركزي الأفغاني سيكون خطأً كبيراً. سيكون إخبار طالبان أن حكومة الولايات المتحدة تريد تدميرهم وتدمير اقتصاد بلدهم”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تقطع فيها الولايات المتحدة الحكومات الأجنبية عن أصولها، حيث كانت قد وافقت سابقا على تحركات مماثلة ضد فنزويلا وليبيا بعد أن استولى قادة معادون للولايات المتحدة على السلطة في هذين البلدين أيضًا.
وقال المفتش العام الأمريكي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان الاثنين، إن نصف إجمالي سكان أفغانستان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في عام 2021، بزيادة ستة أضعاف عما كان عليه الحال قبل أربع سنوات، مستشهداً بإحصاءات الأمم المتحدة.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا للنقيب السابق في البحرية الأمريكية والذي خدم في كل من العراق وأفغانستان، تيموثي كودو، قال فيه إن المدن الأفغانية سقطت في تتابع سريع، كصف من الرجال تعرض للرمي المنتظم بالرصاص.
وتابع: أشاهد هذه الأخبار، وفي البداية لا أشعر بأي شيء. لكنني أعود في الليل مرة أخرى إلى أفغانستان. هناك كابوس: العدو وأنا نصوب نحو بعضنا البعض. من سيطلق النار أولا؟ أنا أضغط، لكن الزناد يتجمد. ويلف مقاتل طالبان إصبعه على الزناد فأستيقظ. لقد تكرر هذا الكابوس لمدة 10 سنوات، منذ عودتي من أفغانستان، لكن الآن يبدو وكأنه أصبح حقيقة.
عقود من الحرب تذوب خلال أسابيع. طالبان تتقدم بسرعة تذكرني بالاحتلال الأمريكي لبغداد. هناك أوجه شبه أخرى: تدخل قوات طالبان المجمعات المذهبة لحلفائنا الأفغان الفاسدين وتتعجب من الأدلة على سنوات من المساعدة الأمريكية التي سرقها زعماؤهم الحكوميون السابقون.
خلال النهار تنشغل أفكاري بالماضي أسمع عن فرقة عالقة على الطرف الآخر من اللاسلكي، أو تقريرا عن إصابة أحد مشاة البحرية، أسمع صوت الخوف في نبرة الرقيب، دقات الساعة بينما يتدفق الدم من عنق الشاب البالغ من العمر 19 عاما، ونسارع لإرسال المروحية التي ستصل بعد فوات الأوان.
أرى تقريرا يفيد بأن السفارة الأمريكية ستتلف أعلامها الأمريكية لحرمان طالبان من انتصار دعائي. أفكر في الراية المتلألئة بالنجوم التي خفقت فوق قاعدة الدوريات القديمة، والتي كانت تسمى قاعدة حبيب. خمسة رجال ماتوا تحت هذا العلم، من أجل ماذا؟
لا تزال الصقور تدور وتزعق. تعود الأصوات من العشرين عاما الماضية التي حفزتنا لدخول المعركة إلى نشرة الأخبار المسائية لتقنعنا بالبقاء. يقول الجنرالات والأمناء والسفراء السابقون: “لم يفت الأوان بعد.. يمكن لمزيد من القوات أن تصمد، والنصر قاب قوسين أو أدنى”.
لكن سرعة تقدم طالبان توضح أن هذه النتيجة كانت دائما حتمية. لم يكن للعدو سبب للتفاوض ولم يشتهر عنه ضبط النفس. كان السؤال الوحيد المطروح على الرئيس بايدن هو عدد الجنود الأمريكيين الذين يجب أن يموتوا قبل حدوث ذلك. لكن إذا كانت المغادرة الآن هي القرار الصحيح لأمريكا، فهي كارثة للشعب الأفغاني الذي خذلناه.
إنها وحدتي القديمة، الكتيبة الأولى، مشاة البحرية الثامنة، التي تم إرسالها لتأمين المطار في كابول. أتمنى أن أكون معهم.. لكن هذا مستحيل. سرعان ما علمت أن هناك سفارة احتياطية في المطار، وأن موقفنا ينهار، وتحول الحديث من أسابيع إلى أيام، وأخيرا ساعات، 36 ساعة، لإجلاء الأمريكيين المتبقين.
نشرت مجلة فورين بوليسي مقالا لأستاذ التاريخ في جامعة تكساس، جيرمي صوري، قال فيه إن الانهيار السريع للدولة التي بنتها أمريكا في أفغانستان يعتبر تذكيرا مؤثرا بأن الدول ليست الشكل الوحيد للتنظيم السياسي، بل أبعد ما يكون عن ذلك.
وقال صوري إن أدلة سادت في العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين على انهيار الدول عبر جنوب الكرة الأرضية. كما أن دولا في العالم المتقدم تعاني من أزمات ومنها أكثر البلدان استقرارا تاريخيا، بما في ذلك أمريكا وبريطانيا. وصعد رجال استبداديون أقوياء في العديد من الدول التي تعاني من الأزمات لحماية النظام من التهديد بالانهيار، وهم بذلك يستجيبون لمخاوف من الانهيار تشيع بين المستفيدين الأكثر حظا من المؤسسات الحالية.
يقدم كتاب سوميت جحا “القبيلة والدولة في آسيا خلال خمسة وعشرين قرنا” سياقا حاسما لفهم أحد أقوى أشكال التنظيم السياسي الذي يضغط على الدول: القبيلة. جحا مؤرخ من جنوب آسيا ذو توجه اجتماعي، يركز على ما يسميه “البيئة السياسية للحياة القبلية”. ويجادل بأن المناخ والتضاريس يمكّنان الأشكال الرعوية واللامركزية من التنظيم الاجتماعي على أطراف الإمبراطوريات والدول. تعيش المجموعات في هذه المناطق من خلال شبكات القرابة والتكيف مع الأرض. إنهم يقاومون الدخلاء الأقوياء، ويتأقلمون بشكل خلاق مع التغييرات الأوسع في السياسة والاقتصاد.
هذه النقطة الأخيرة هي واحدة من أهم مساهمات جحا لإظهار أن القبائل ليست بقايا أثرية لماض ضائع، ولكن تكيفات ديناميكية وحديثة مع التهديدات والحوافز في عالمنا المعاصر.
وقدم جحا مسحا رائعا لأمثلة عبر القارة الآسيوية، بما في ذلك قبائل وادي سوات في باكستان، والأقليات العرقية في الصين، والقبائل المُجدوَلة في الهند. وكيف استجابت كل مجموعة من هذه المجموعات للدول القوية من حولها بطرق تعيد تشكيل هوية قبائلها لغرض البقاء. في الهند، على سبيل المثال، استخدمت قبائل مختلفة النظام الديمقراطي الهندي للمطالبة بحصص في الوظائف الحكومية والتوظيف الجامعي، تماما كما قاوم نظراؤهم في باكستان المجاورة الدولة ودعموا الجماعات شبه العسكرية التي تعبر داخل وخارج أفغانستان. طالبان هي ثمرة حديثة للقبائل في باكستان، تعمل أحيانا ضد الدولة في إسلام أباد وأحيانا معها.
ينتقد جحا الطريقة التي يتحدث بها الأكاديميون والصحفيون وصناع السياسات عموما عن القبائل. يتم وصفها بعبارات ثابتة، مشحونة بشكل شبه حتمي بافتراض الدونية الثقافية. إذا كانت الدول عقلانية ومبتكرة، يتم تصوير القبائل على أنها ثابتة وتقيدها التقاليد. لا يمكن للأمريكيين من جميع الأطياف السياسية زعزعة الاعتقاد بأنهم يعرفون أفضل من سكان القبائل في أفغانستان، فأمضوا 20 عاما في محاولة تنظيمهم كجيش وبيروقراطية دولة حديثة. لا يصف جحا عالما بديلا من اليوتوبيا القبلية، ولكنه بدلا من ذلك يقوض الادعاءات القائلة بأن الدولة يمكن أن تحل محل القبائل في أفغانستان وأماكن أخرى.
بينما تحاول الدول القوية فرض طقوسها وأهدافها، تتكيف القبائل وتقاوم ببراعة ملحوظة. لديهم ميزة حيث تفضل البيئة السياسية المجتمعات الرعوية اللامركزية. لقد شاهدنا هذه الديناميكية تتطور طوال عقدين من الزمن في أفغانستان، بنهاية عنيفة للغاية. لقد خططت طالبان بناء على الهيكل القبلي لأفغانستان وباكستان بشكل أفضل بكثير من أمريكا، وهكذا نجوا من الهجمات الأمريكية المتكررة. من المرجح أن تواجه طالبان مقاومة مستقبلية من العديد من القبائل، خاصة في الشمال، لكنها لن تحاول بناء دولة مركزية بيروقراطية، كما حاولت أمريكا.